وعنه جوابان :
أحدهما ـ أن قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) جماعة ، ولكل واحد كنز ، فمرجع قوله : «ها» إلى جماعة الكنوز.
الثاني ـ أن ذكر أحد الضميرين يكفى عن الثاني ، كما قال تعالى (١) : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها). وهما شيئان ، كما قال الشاعر (٢) :
إنّ شرخ الشباب والشعر الأس |
|
ود ما لم يعاص كان جنونا |
وطريق الكلام الظاهر أن يقال ما لم يعاصيا ، ولكنه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ، لدلالة الكلام عليه.
المسألة التاسعة ـ إنما وهم من زعم أنّ المراد بالآية أهل الكتاب ، لأجل قوله في أول الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) ، يعنى من أهل الكتاب ، فرجع قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) إليهم.
وهذا لا يصحّ من وجهين :
أحدهما ـ أنّ أول الكلام وخصوصه لا يؤثّر في آخر الكلام وعمومه ، لا سيما إذا كان مستقلا [بنفسه] (٣).
الثاني ـ أن هذا إنما كان يظهر لو قال : ويكنزون الذهب والفضة. أما وقد قال : والذين يكنزون الذهب والفضة ، فقد استأنف معنى آخر يبيّن أنه عطف جملة على جملة ، لا وصفا لجملة على وصف لها.
ويعضد ذلك الحديث الصحيح ، رواه البخاري وغيره أن الأحنف بن قيس قال : جلست إلى ملأ من قريش ، فجاء رجل أخشن الشعر والثياب والهيئة ، حتى قام فسلّم عليهم ، ثم قال : بشر الكانزين برضف (٤) يحمى عليه في نار جهنم ، يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض (٥) كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل (٦).
__________________
(١) سورة الجمعة ، آية ١١.
(٢) هو حسان بن ثابت كما في القرطبي ، وديوانه : ٤١٣
(٣) ليس في ل.
(٤) الرضف : الحجارة المحماة.
(٥) النغض ـ بالضم والفتح : أعلى الكتف. وقيل هو العظم الرقيق الذي على طرفه.
(٦) في القرطبي (٨ ـ ١٢٨) : فيتزلزل ، والحديث في مسلم : ٦٨٩.