وقال أبو حنيفة (١) : تجب فيه الزكاة. ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء.
فأما أبو حنيفة : فأخذ بعموم الألفاظ في إيجاب الزكاة في النقدين ولم يفرق بين حلى وغيره.
وأما علماؤنا فقالوا : إن قصد التملك (٢) لما أوجب الزكاة في العروض ، وهي ليست بمحلّ لإيجاب الزكاة ، كذلك قصد قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حليا يسقط الزكاة ، فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح لإسقاط ما وجب ، وتخصيص ما عمّ وشمل.
وقد قال بعض الناس : إن ما زاد على أربعة آلاف كنز ، وعزوه إلى علىّ. وليس بشيء يذكر ، لبطلانه.
أما إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنّ الأكثرين مالا هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من قال هكذا وهكذا ، وأشار بيده يفرّقها.
قال أبو ذرّ : الأكثرون أصحاب عشرة آلاف ، يريد أنّ الأكثرين مالا هم الأقلّون يوم القيامة ثوابا ، إلّا من فرّقه في سبيل الله.
وهذا بيان لنقصان المرتبة بقلّة الصدقة ، لا لوجوب التفرقة بجميع المال ، ما عدا الصدقة الواجبة ، يبيّنه ما
روى الترمذي عن سالم بن أبى الجعد ، عن ثوبان ، قال : لما نزلت : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة (٣). لو علمنا أى المال خير فنتخذه؟ فقال : أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه.
فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا جوابا لمن علم رغبته في المال فردّه إلى منفعة المال ، لما فيه من الفراغ ، وعدم الاشتغال.
وقد بيّن أيضا في مواضع أخر : أى المال خير في حالة أخرى لقوم آخرين؟ فقال : خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف (٤) الجبال ، ومواقع القطر ، يفرّ بدينه من الفتن.
المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) ، فذكر ضميرا واحدا عن مذكورين.
__________________
(١) والجصاص : ٤ ـ ٣٠٣.
(٢) هكذا في الأصول ، وفي القرطبي : قصد النماء يوجب الزكاة في العروض.
(٣) في الترمذي (٥ ـ ٢٧٧) أنزل ... ما أنزل.
(٤) الشعفة ـ محركة : رأس الجبل ، وجمعه شعف ، (القاموس).