الناس حتى كأنهم لم يرونى قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان. وفي رواية قال : حتى آذوني. فقال لي عثمان : إن شئت تنحّيت فكنت قريبا ، فذاك الذي أنزلنى هذا المنزل ، ولو أمّروا علىّ حبشيا لسمعت وأطعت.
وهذا يدل على أن الكفّار عند الصحابة يخاطبون بفروع الشريعة.
وذهب عمر إلى أنها منسوخة ؛ نسختها (١) : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ؛ قال عراك بن مالك : ولا شك في أنها منسوخة.
المسألة السادسة ـ في تنقيح الأقوال ، وجلاء الحق ، وذلك ينحصر في ثلاثة مدارك المدرك الأول ـ أنّ الكلّ من فقهاء الأمصار اتفقوا على أنه ليس في المال حقّ سوى الزكاة ، وقد بيناه. وإذا لم يكن في المال حقّ سواها وقضيت بقي المال مطهّرا ، كما قال عمر.
المدرك الثاني ـ أن الآية عامة في أهل الكتاب وغيرهم ، وقد أكّد الله ذلك بقوله(٢): (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ).
المدرك الثالث ـ تخليص الحق من هذين الأصلين ، فنقول :
أما الكنز فهو مال مجموع ، لكن ليس كل مال دين (٣) لله تعالى فيه حق ، ولا حقّ لله سوى الزكاة ؛ فإخراجها يخرج المال عن وصف الكنزية ، ثم إنّ الكنز لا يكون إلا في الدنانير والدراهم أو تبرها ، وهذا معلوم لغة. ثم إنّ الحلّى لا زكاة فيه ؛ فيتنخل من هذا أنّ كلّ ذهب أو فضة أدّيت زكاتهما ، أو اتخذت حليا فليسا بكنز ، وذلك قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ ...) الآية.
وهذا يدل على أنّ الكنز في الذهب والفضة خاصة ، وأنّ المراد بالنفقة الواجب لقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، ولا يتوجّه العذاب إلا على تارك الواجب.
فإن قيل : فما الدليل على أنّ الحلّى لا زكاة فيه ـ وهي :
المسألة السابعة ـ قلنا : اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا ، أصله قول مالك والشافعى : لا زكاة في الحلي المباح.
__________________
(١) سورة التوبة ، آية ١٠٣.
(٢) فصلت ، آية ٦ ، ٧.
(٣) في ا : ليس كل مال دين مال لله تعالى.