المسألة الثانية ـ قوله : (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) :
روى الترمذىّ وغيره ، عن عدىّ بن حاتم ، قال : أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : ما هذا يا عدىّ؟ اطّرح عنك هذا الوثن. وسمعته يقرأ في سورة براءة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ). قال : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه (١). وفيه دليل على أن التحريم والتحليل لله وحده ، وهذا مثل قوله (٢) : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) ؛ بل يجعلون التحريم لغيره.
الآية السادسة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
فيها إحدى عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ قوله : (لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) :
فيه قولان :
أحدهما ـ أكلها بالرّشا ، وهي كل هديّة قصد بها التوصل (٤) إلى باطل ، كأنها تسبّب إليه ؛ من الرّشاء ، وهو الحبل ؛ فإن كانت ثمنا للحكم فهو سحت (٥) وإن كانت ثمنا للجاه فهي مكروهة ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله الرّاشى والمرتشي ، والرائش ، وهو الذي يصل بينهما ، ويتوسّط لذلك معهما.
الثاني ـ أخذها بغير الحق ، كما قال الله تعالى (٦) : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ). وقد بيناه.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) :
__________________
إن قيل فيه : يصدّون عن سبيل الله في الحكم بالحق والقضاء بالعدل ، أو قيل فيه : إن
(١) هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث عبد السلام بن حرب. وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث (القرطبي : ٨ ـ ١٢٠) ، والترمذي : ٥ ـ ٢٧٨.
(٢) آية ٢٩ من هذه السورة.
(٣) الآية الرابعة والثلاثون.
(٤) في ل : التوسل.
(٥) السحت : الحرام.
(٦) سورة البقرة ، آية ١٨٨