المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) : كلّ قول أحد إنما هو بفيه ، ولكن الحكمة فيه أنه قول باطل لا يتجاوز الفم ، وهو الموضع الذي تحرّك به ؛ لأنه لا يعلم باضطرار ، ولا يقوم عليه برهان ، فيقف حيث وجد ، ولا يتعداه بحدّ ، بخلاف الأقوال الصحيحة ، فإنها تنتظم وتطّرد ، وتعضدها الأدلة ، وتقوم عليها البراهين ، وتنتشر بالحق ، وتظهر بالبيان والصدق.
المسألة الثالثة ـ قوله : (يُضاهِؤُنَ) : يعنى يشابهون. ومنه قول العرب : امرأة ضهياء للتي لا تحيض ، والتي لا ثدي لها ، كأنها أشبهت الرجال.
المسألة الرابعة ـ قوله : (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) :
فيه ثلاثة تأويلات :
الأول ـ قول عبدة الأوثان : اللات ، والعزّى ، ومناة الثالثة الأخرى.
الثاني ـ قول الكفرة : الملائكة بنات الله.
الثالث ـ قول أسلافهم ، فقلّدوهم في الباطل ، واتّبعوهم في الكفر ، كما أخبر تعالى عنهم بقوله (١) : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) ، وفي هذا ذمّ الاتباع في الباطل.
الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ الحبر : هو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه (٣) ، ومنه ثوب محبّر ، أى جمع الزينة. ويقال بكسر الحاء وفتحها ، وقد غلط فيه بعض الناس ، فقال : إنما سمى به لحمل الحبر وهو المداد والكتابة.
والراهب هو من الراهبة : الذي حمله خوف الله على أن يخلص إليه النية دون الناس ، ويجعل زمامه له ، وعمله معه ، وأنسه به.
__________________
(١) سورة الزخرف ، آية ٢٢.
(٢) الآية الواحدة والثلاثون.
(٣) في م : وينقيه ، وفي القرطبي : ويتقنه بحسن البيان عنه.