سفلى ، ويد الآخذ عليا ، ذلك بأنه الرافع الخافض ، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ، وكل فعل أو حكم يرجع إلى الأسماء حسبما مهّدناه في الأمد الأقصى.
فإن قيل : وهي :
المسألة الثالثة عشرة ـ إذا بذل الجزية فحقن دمه بمال يسير مع إقراره على الكفر بالله ؛ هل هذا إلا كالرضا به؟
فالجواب أنا نقول : في ذلك وجهان من الحكمة :
أحدهما ـ أنّ في أخذها معونة للمسلمين وتقوية لهم ، ورزق حلال ساقه الله إليهم.
الثاني ـ أنه لو قتل الكافر ليئس (١) من الفلاح ووجب عليه الهلكة ؛ فإذا أعطى الجزية وأمهل لعله أن يتدبّر الحق ، ويرجع إلى الصواب ، لا سيما بمراقبة أهل الدين ، والتدرّب بسماع ما عند المسلمين ؛ ألا ترى أن عظيم كفرهم لم يمنع من إدرار رزقه سبحانه عليهم. وقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : لا أحد أصبر على أذى من الله ، يعافيهم ويرزقهم ، وهم يدعون له الصاحبة والولد.
وقد بيّن علماء خراسان هذه المسألة ، فقالوا : إنّ العقوبات تنقسم إلى قسمين :
أحدهما ـ ما فيه هلكة المعاقب.
والثاني ـ ما يعود بمصلحة عليه ، من زجره عما ارتكب ، وردّه عما اعتقد وفعل.
الآية الرابعة ـ عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ، ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في هذا من قول ربّنا دليل على أنّ من أخبر عن كفر غيره ـ الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به ـ لا حرج عليه ؛ لأنه إنما ينطق به على معنى الاستعظام له والردّ عليه ، فلا يمنع ذلك منه ، ولو شاء ربّنا ما تكلم به أحد ، فإذا أمكن من انطلاق الألسنة به فقد أذن في الإخبار عنه ، على معنى إنكاره بالقلب واللسان والرد عليه بالحجّة والبرهان.
__________________
(١) في ل : أيس.
(٢) الآية الثلاثون.