وقال بعضهم ـ من أهل ما وراء النهر : إنما وجبت بدلا عن النصرة بالجهاد. واختاره القاضي أبو زيد ، وزعم أنه سرّ الله في المسألة.
واستدلّ علماؤنا على أنها عقوبة [بأنها] (١) وجبت بسبب الكفر ، وهو جناية ؛ فوجب أن يكون مسبّبها عقوبة ؛ ولذلك وجبت على من يستحق العقوبة ، وهم البالغون العقلاء المقاتلون.
وقال أصحاب الشافعى : الدليل على أنها وجبت بدلا عن حقن الدم ، وسكنى الدار ، أنها تجب بالمعاقدة والتراضي ، ولا تقف العقوبات على الاتفاق والرضا. وأيضا فإنها تختلف باليسار والإعسار ، ولا تختلف العقوبات بذلك. وأيضا فإنّ الجزية تجب مؤجّلة والعقوبات تجب معجّلة ؛ وهذا لا يصح.
وأما قولهم : إنها وجبت بالرضا فغير مسلّم ؛ لأن الله تعالى أمرنا بقتالهم حتى يعطوها قسرا.
وأما إنكارهم اختلاف العقوبات بالقلة واليسار فذلك باطل من الإنكار ؛ لأن ذلك إنما يبعد (٢) في العقوبات البدنية دون المالية ، ألا ترى أنّ العقوبات البدنية تختلف بالثيوبة ، والبكارة ، والإنكار ، فكما اختلفت عقوبة البدن باختلاف صفة الموجب عليه لا يستنكر أن يختلف عقوبة المال باختلاف صفة المال في الكثرة والقلة.
وأما تأجيلها فإنما هو بحسب ما يراه الإمام مصلحة ، وليس ذلك بضربة لازب فيها.
وقد استوفيناها في مسائل الخلاف.
وفائدتها أنا إذا قلنا : إنها بدل عن القتل فإذا أسلم سقطت عنه لسقوط القتل.
وعند الشافعى أنها دين استقر في الذمة فلا يسقطه الإسلام كأجرة الدار.
المسألة الثانية عشرة ـ شرط الله تعالى هذين الوصفين ، وهما قوله : (عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) ؛ للفرق بين ما يؤدّى عقوبة وهي الجزية ، وبين ما يؤدّى طهرة وقربة وهي الصدقة ، حتى (٣) قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : اليد العليا خير من اليد السفلى. واليد العليا هي المعطية ، واليد السفلى هي السائلة ؛ فجعل يد المعطى في الصدقة عليا ، وجعل يد المعطى في الجزية صاغرة
__________________
(١) ليس في ل.
(٢) في ل : يعد.
(٣) في ل : حين.