ومن أعظم الإشارة بقوله : ولا باليوم الآخر ـ الإخبار عن النصارى الذين يقولون : إن نعيم الجنة وعذاب النار معان ؛ كالسرور والهم ، وليست صورا ، ولا فيها أكل ولا شرب ، ولا وطء ولا حياة ، ولا مهل (١) يشرب ، ولا نار تلظّى.
وقوله : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) إخبار عما كانت العرب تفعله من التحريم بعقولها في السائبة والوصيلة والحام ، وما يختص بتحريمه الإناث دون الذكور ، إلى غير ذلك من أقوال الزّور ، وعما (٢) كانت الرهبان تفعله ، والأحبار من اليهود تبتدعه من تحريم ما أحلّ الله في الإنجيل والتوراة ، أو تحليل ما حرّم الله عليهم فيه.
وقوله : (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) إشارة إلى هذه الجملة من الاعتقاد للحق والعمل بمقتضى الشرع.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) :
وفي ذكرهم هاهنا ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنهم كانوا أمروا بقتال المشركين ، فأمروا أيضا بقتال أهل الكتاب مع المشركين ؛ لما فيه (٣) من الحق من ذكر الرسول وغيره ، وكان تخصيصا لما تناوله اللفظ العام على معنى التأكيد.
الثاني ـ أنّ قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) تأكيد للحجة ؛ فإنّ المشركين من عبدة الأوثان لم تكن عندهم مقدمة من التوحيد والنبوة وشريعة الإسلام ، فجاءهم الأمر كله فجأة على جهالة.
فأما أهل الكتاب فقد كانوا عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل ، وخصوصا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وملّته وأمته ؛ فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة ، وعظمت منهم الجريمة ، فنبّه على محلهم بذلك.
الثالث ـ أنّ تخصيصهم بالذكر إنما كان لأجل قوله تعالى بعد ذلك : (حَتَّى يُعْطُوا
__________________
(١) المهل : النحاس المذاب أو القيح والصديد.
(٢) في ل : على ما كانت الرهبان تفعله.
(٣) في القرطبي : وخص أهل الكتاب بالذكر إكراما لكتابهم ، ولكونهم عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل وخصوصا ذكر محمد.