وقد قال شيخ السنة والقاضي أبو بكر : إن الإيمان هو العلم بالله ، وذلك لا يصحّ لغة ، وقد أفدناه (١) في موضعه. فإذا ثبت أن كفر المعاني جحودها وإنكارها فالشرع لم يعلق الأحكام الشرعية على كل ما ينطلق عليه اسم كفر ، وإنما علّقه على بعضها ، وهي الكفر بالله وصفاته وأفعاله.
والدليل عليه قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) الآية فقوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) نصّ في الكفر بذاته يقينا ، وفي الكفر بالصفات ظاهرا : لأن الله هو الموجود الذي له الصفات العلا والأسماء الحسنى ؛ فكلّ من أنكر وجود الله فهو كافر ، وقوله : (وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) نصّ في صفاته ، فإنّ اليوم الآخر عرفناه بقدرته وبكلامه ؛ فأما علمنا له بقدرته فإنّ القدرة على اليوم الأول دليل على القدرة على اليوم الآخر. وأما علمنا له بالكلام فبإخباره أنه فاعله ، فإذا أنكر أحد البعث فقد أنكر القدرة والكلام ، وكفر قطعا بغير كلام ، وقوله : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) نصّ في أفعاله التي من أمهاتها إرسال الرسل ، وتأييدهم بالمعجزات النازلة منزلة قوله : صدقتم أيها الرسل ، فإذا أنكر أحد الرسل ، أو كذّبهم فيما يخبرون عنه من التحليل والتحريم ، والأوامر والندب ، فهو كافر ، وكل جملة (٢) من هذه الوجوه الثلاثة له تفصيل تدلّ عليه هذه الجملة التي أشرنا ، بها اختلف الناس في التكفير بذلك التفصيل ، والتفسيق والتخطئة والتصويب ؛ وذلك كالقول في التشبيه والتجسيم والجهة ، أو الخوض في إنكار العلم والقدرة ، والإرادة والكلام والحياة ؛ فهذه الأصول يكفر جاحدها بلا إشكال.
وكقول (٣) المعتزلة : إنّ العباد يخلقون أفعالهم ، وإنهم يفعلون مالا يريده الله ، وإن نفوذ القضاء والقدر على الخلق بالنار جور.
وكقوله المشبهة : إنّ الباري جسم ، وإنه يختص بجهة ، وإنه قادر على المحال ، وإنه تعالى قد نصّ على كل حادثة من الأحكام.
وهذا كلّه كذب صراح ، وبعد هذا تفاصيل ينبنى عليها ويجرّ إليها ، وفي التكفير بها تدقيق (٤).
__________________
(١) في ل : وقد أفسدناه.
(٢) في ا : والأثر من هذه الوجوه.
(٣) في ل : وقول المعتزلة.
(٤) هكذا بالأصول.