المسألة السابعة ـ قوله : (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) :
فيه قولان :
أحدهما ـ أنه سنة تسع التي حجّ فيها أبو بكر.
الثاني ـ أنه سنة عشر ؛ قاله قتادة ، وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ.
وإن من العجب أن يقال [إنه] (١) سنة تسع ، وهو العام الذي وقع فيه الأدان ولو دخل غلام رجل داره يوما ، فقال له مولاه : لا تدخل هذه الدار بعد يومك هذا لكان المراد به اليوم الذي دخل فيه.
فالصحيح أنّ النهى فيما يستقبل ، وأن المشار إليه هو الوقت الذي وقع فيه النداء ، ولو تناصف الناس في الحق ، وأمسك كلّ أحد عما لا يعلم ما وقع مثل هذا النزاع.
المسألة الثامنة ـ قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) :
المعنى إن خفتم الفقر بانقطاع مادّة المشركين عنكم بالتجارة التي كانوا يجلبونها فإنّ الله يعوّض عنها ؛ فدل على أنّ تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز ، وإن كان الرزق مقدورا ، وأمر الله وقسمه له مفعولا ، ولكنه علّقه بالأسباب حكمة ؛ لتعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على ربّ الأرباب ، وليس ينافي النظر إلى السبب التوكل من حيث إنه مسخّر مقدور ؛ وإنما يضاد التوكل النظر إليه بذاته ، والغفلة عن الذي سخّره في أرضه وسماواته. وفي الحديث الصحيح : لو توكلتم على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح (٢) بطانا (٣).
فأخبر أنّ التوكل الحقيقي لا يضادّه الغدوّ والروح في طلب الرزق ، لكن شيوخ الصوفية قالوا : إنما تغدو وتروح (٤) في الطاعة ، فهو السبب الذي يجلب الرزق.
والدليل عليه أمران : قوله (٥) : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ...) الآية. والثاني قوله (٦) :
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). فليس ينزل الرزق من محله ـ وهو
__________________
(١) من ل ، والقرطبي.
(٢) في ل : وتعود.
(٣) الخمص والمخمصة : الجوع. والبطنة : امتلاء البطن من الطعام ؛ أى تغدو بكرة وهي جياع ، وتروح عشية وهي ممتلئة الأجواف.
(٤) من ل.
(٥) سورة طه ، آية ١٣٢.
(٦) سورة فاطر ، آية ١٠.