السماء ـ إلّا ما يصعد إليها وهو الذكر الطيب والعمل الصالح ، وليس بالسعي في جهات الأرض ، فإنه ليس فيها رزق.
والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر ، وهو العمل بالأسباب الدنيوية من الحرث والتجارة والغراسة. ويدلّ عليه ما كانت الصحابة تعمله ، والنبىّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم من التجارة في الأسواق ، والعمارة للأموال ، وغرس الثمار. ومنهم من كان يضرب على الكفار لتكون كلمة الله هي العليا ، ويسترزق من أفضل وجوه رزق الله تعالى وهو الأغنام ، والنبىّ صلى الله عليه وسلم في ذلك كلّه راض عنهم ، وهذه كانت صفة الخلفاء الذين لم يكن أحد أفضل منهم ؛ يسلكون هذه السبيل في الاكتساب والتعليق بالأسباب.
أما إنه لقد كان قوم يقعدون بصفّة المسجد ما يحرثون ولا يتّجرون ، ليس لهم كسب ولا مال ، إنما هم أضياف الإسلام إذا جاءت هديّة أكلها النبىّ صلى الله عليه وسلم معهم ، وإن كانت صدقة خصّتهم بها ، ولم يكن ذلك بمعاب عليهم ، لإقبالهم على العبادة ، وملازمتهم للذكر والاعتكاف ، فصارت جادّتين (١) في الدين ومسلكين للمسلمين ، فمن آثر منهما واحدا لم يخرج عن سننه ، ولا اقتحم مكروها.
المسألة التاسعة ـ قوله : (مِنْ فَضْلِهِ).
فيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ من حيث شاء ، وعلم ؛ لعموم فضله ، وسعة رزقه ورحمته.
الثاني ـ بالمطر والنبات وخصب الأرض ، فأخصب تبالة (٢) وجرش (٣) ، فحملوا إلى مكة الطعام والودك ، وأسلم أهل نجد وصنعاء.
الثالث ـ بالجزية.
وهذا كلّه من المعاني التي يحتملها اللفظ ويراد به جميعها ، ويحتمل عندي أن يريد به يغنيكم الله عن الكفار فيما يجلبون من التجارة والرزق إليكم بجلبكم أنتم لها واستغنائكم عنها بأنفسكم في كل وجه.
__________________
(١) في ل : حالتين.
(٢) تبالة : موضع ببلاد اليمن ، وهي مما يضرب المثل بخصبها.
(٣) جرش : من مخاليف اليمن.