وقيل : إذا امتنع دخول المشركين مكة لعزّة الإسلام ، فلم يبقى الناس على ما كانوا عليه من الذلّ والهوان.
المسألة الثالثة ـ قوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) :
اعلموا ـ وفّقكم الله ـ أن النجاسة ليست بعين حسية ، وإنما هي حكم شرعي ، أمر الله بإبعادها ، كما أمر بإبعاد البدن عن الصلاة عند الحدث ، وكلاهما أمر شرعي ليس بعين حسية.
وقد ذهلت الحنفية عن هذه الحقيقة ؛ فظنوا أن إزالة النجاسة أمر حسى ، نعم (١) زوال العين في بعض المواضع ، وهو إذا ظهرت ، حسىّ. وكونها بعينها نجسة حكمى ، وبقاء المحل نجسا بعد زوال عينها حكمى وقد حققنا ذلك في مسائل الخلاف.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) :
دليل على أنهم لا يقربون مسجدا سواه ؛ لأنّ العلة ـ وهي النجاسة ـ موجودة فيهم ، والحرمة موجودة في المسجد.
وقد اختلف الناس في هذا كثيرا ؛ فرأى الشافعى أنّ هذا مخصوص بالمسجد الحرام لا يتعدّاه إلى غيره من المساجد. وهذا جمود منه على الظاهر الذي يسقط هذا الظاهر ، فإن الله لم يقل : لا يقرب هؤلاء المسجد الحرام ؛ فيكون الحكم مقصورا عليهم ولو قال : لا يقرب المشركون والأنجاس المسجد الحرام لكان تنبيها على التعليل بالشرك أو النجاسة ، أو العلتين جميعا ؛ بل أكد الحال ببيان العلة وكشفها ، فقال : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) : يريد ولا بد لنجاستهم ، فتعدّت العلة إلى كل موضع محترم بالمسجدية.
ومما قاله مع غيره من الناس أنّ الكافر يجوز له دخول المسجد بإذن المسلم ، واستدل عليه بأن النبىّ صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال في المسجد وهو مشرك.
قال علماؤنا : هذا الحديث صحيح ، لكنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قد كان علم إسلامه ، وهذا وإن سلّمناه فلا يضرنا ؛ لأن علم النبي بإسلامه (٢) في المآل لا يحكم له به في الحال.
وقال جابر بن عبد الله : العموم بمنع المشركين عن قربان المسجد الحرام مخصوص في العبد والأمة.
__________________
(١) في ل : يعم.
(٢) في ا : بإسلامهما.