المسألة الثالثة ـ قوله : (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) :
قوله : (فَتَرَبَّصُوا) (١) صيغته الأمر ، ومعناه التهديد ، وأمر الله الذي يأتى فتح مكة على القول بأنّ المراد بمعنى الآية الهجرة ، ويكون أمر الله عقوبته التي تنزل بهم الذل والخزي ، حتى يغزوهم العدوّ في عقر دارهم ، ويسلبهم أموالهم.
الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قال ابن وهب ، وابن القاسم ، قال مالك : لما انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضت أم سليم ـ امرأة أبى طلحة ـ على عنان بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت : يا رسول الله ؛ مر بهؤلاء الذين انهزموا فنضرب رقابهم. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو خير من ذلك يا أم سليم؟ فقيل له : أو قسم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن خرج يداوى الجرحى؟ فقال : ما علمت أنه أسهم لامرأة في مغازيه.
قال ابن وهب ، عن مالك : وكانت حنين في حرّ شديد.
قال ابن القاسم : قال لنا مالك : حدثني ابن شهاب ، قال : قال رجل لصفوان يوم حنين : والله لا نرتدّ أبدا. فقال له صفوان : والله لربّ من قريش خير من رب من هوازن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى صفوان مثنى (٣) مئين أو ثلاث. وقال صفوان : لقد حضرت حنينا وما أحد من الخلق أبغض إلىّ منه ، فما زال يعطيني حتى ما كان أحد أحب إلىّ من الخلق منه. وكان صفوان من المؤلّفة قلوبهم.
المسألة الثانية ـ قال ابن القاسم ، وابن وهب : سئل مالك عن صفوان حين أعطاه النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أعطاه أكان مسلما أو مشركا؟ قال : ما سمعت شيئا ، وما أراه كان إلا مشركا. ولقد قال : ربّ من قريش خير من ربّ من هوازن. وما هذا بكلام مسلم.
__________________
(١) تربصوا : انتظروا.
(٢) الآية الخامسة والعشرون.
(٣) هكذا في ا ، وفي ل : مثلين