فنفى الله ذلك عنهم شرعا وفضيلة ، لا حسّا (١) ووجودا ، وأخبر أن العمارة لبيت الله لا تكون بالكفر به ، وإنما تكون بالإيمان والعبادة وأداء الطاعة ؛ سمعت الشيخ الإمام فخر الإسلام أبا بكر محمد بن أحمد الشاشي يقول : كان القاضي الإمام أبو الطيب الطبري يسمى الشيخ الإمام أبا إسحاق الشيرازي إمام الشافعية وشيخ الصوفية بمدينة السلام حمامة المسجد ؛ لملازمته له ؛ لأنه لم يكن يجعل لنفسه بيتا سواه يلازم القاضي أبا الطيب ، ويواظب القراءة والتدريس حتى صار إمام الطريقتين : الفقه والتصوف.
الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ نفى الله الموالاة بالكفر بين الآباء والأبناء خاصة ، ولا قربى أقرب منها ، كما نفاها بين الناس بعضهم من بعض ، بقوله (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ؛ ليبيّن أن القرب (٤) قرب الأديان لا قرب الديار والأبدان ، ومثله تنشد الصوفية (٥) :
يقولون لي دار الأحبة قد دنت |
|
وأنت كئيب إنّ ذا لعجيب |
فقلت وما تغنى ديار قريبة |
|
إذا لم يكن بين القلوب قريب |
المسألة الثانية ـ الإحسان بالهبة والصلة مستثنى (٦) من الولاية ، لحديث أسماء ؛ قالت: يا رسول الله ؛ إن أمى قدمت علىّ راغبة وهي مشركة ، أفأصلها؟ قال : صلى أمّك. وتمامه يأتى في قوله (٧) : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ..) الآية.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) تفسير لقوله (٨) : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إما بالمآل وسوء العاقبة ، وإما بالأحكام في العاجلة ، وذلك ظلم ؛ أى وضع الشيء في غير موضعه ، ويختلف الحكم فيه باختلاف الموضع الموضوع فيه كفرا وإيمانا.
__________________
(١) في ل : لا كسبا.
(٢) الآية الثالثة والعشرون.
(٣) سورة المائدة ، آية ٥١
(٤) في ل : القرابة.
(٥) والقرطبي : ٩ ـ ٩٤.
(٦) في ل : مستثناة.
(٧) سورة الممتحنة ، آية ٨