قلنا : الطعن في الدين نكث للعهد ؛ بل قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إن عملوا ما يخالف العهد انتقض عهدهم. فقد روى أنّ عمر رفع إليه أن ذمّيا نخس دابة عليها امرأة مسلمة ، فرمحت ، فأسقطتها ، فانكشف بعض عورتها ، فأمر بصلبه في الموضع.
وقد قال علماؤنا : إذا حارب الذمىّ نقض عهده. وكان [ماله وولده] (١) فيئا قال محمد ابن مسلمة : ولا يؤخذ ولده ، لأنه نقض وحده. وقال : أما ماله فيؤخذ.
وهذا تعارض لا يشبه منصب محمد ؛ لأن عهده هو الذي حمى ولده وماله ، فإذا ذهب عنه ذهب عن ولده وماله.
وقال أشهب : إذا نقض الذمىّ العهد فهو على عهده ، ولا يعود الحرّ في الرقّ أبدا.
وهذا من العجب ، وكأنه رأى العهد معنى محسوسا ، وإنما العهد حكم اقتضاء النظر ، والتزمه المسلمون ، فإذا نقضه انتقض كسائر العقود (٢) من البيع والنكاح ، فإنها تعقد ؛ فترتّب عليها الأحكام ، فإذا نقضت ونسخت ذهبت تلك الأحكام.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٣) : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ ، فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ دلّت الآية على أن الشهادة لعمّار المساجد بالإيمان والصلاة صحيحة ؛ لأن الله ربطها بها ، وأخبر عنها بملازمتها والنفس تطمئنّ بها وتسكن إليها ، وهذا في ظاهر الصلاح ليس في مقاطع الشهادات ، فلها وجوه ، وللعارفين بها أحوال ، وإنما يؤخذ كلّ أحد بمقدار حاله وعلى مقتضى صفته ؛ فمنهم الذكي الفطن المحصّل لما يعلم اعتقادا وإخبارا ، ومنهم المغفّل ؛ فكلّ أحد ينزل على منزلته ويقدّر على صفته.
المسألة الثانية ـ روى بعضهم أنّ الآية إنما قصد بها قريش ؛ لأنهم كانوا يفخرون على سائر الناس بأنهم سكان مكة (٤) وعمّار المسجد الحرام ؛ ويرون بذلك فضلا لهم على غيرهم،
__________________
(١) من القرطبي.
(٢) في ل : العهود.
(٣) الآية الثامنة عشرة.
(٤) في ل : الحرم.