وأما إن كان رعية فقد روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويرد عليهم أقصاهم. والذي منهم غير الأمير وهو حرّ أو عبد أو امرأة أو صبيّ ، فأما الحر فيمضى أمانه عند كافّة العلماء ، إلا أنّ ابن حبيب من أصحابنا قال : ينظر الإمام فيه ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أجاز جواره في هذا الحديث وكذلك أمضاه عمر على الناس ، وتوعّد بالقتل من ردّه ، فقال : لا يقولنّ أحدكم للعلج إذا اشتدّ في الحبل مطرّس فإذا سكن إلى قوله قتله ؛ فإنى لا أوتى بأحد فعل ذلك إلّا ضربت عنقه.
وأما العبد فله الأمان في مشهور المذهب ؛ وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة : لا أمان له ، وهو القول الثاني لعلمائنا ، وكأن أبا حنيفة رأى أن من لا يسهم له في الغنيمة من عبد أو امرأة أو صبي لا أمان له ؛ لأنه إسقاط ، فكيف يسقط ما ليس له فيه حق.
وعمدة المالكية أنّ عموم الحديث يدخل فيه العبد والمرأة ، ولأن أبا حنيفة نقض فقال: إذا أذن له سيده في القتال جاز أمانه ، ولا يصح أن يسلب جواز الأمن من الإذن (١) في القتال ؛ لأنه صده ؛ فدلّ على أنه إنما استفاده بالإسلام والآدمية.
وأما الصبىّ فعدم تكليفه يسقط قوله بلا كلام ، إلّا أنّ المالكية قالت : إذا أطاق القتال صار في جملة الجيش. وقد تقدم دليل ذلك ؛ وجاز أمانه ؛ لأنه قد صار من جملة المقاتلة ، ودخل في الفئة الحامية.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) :
ما من أحد من الخلق يسمع القرآن إلا وهو سامع لكلام الله ، لكن بواسطة اللغات وبدلالة الحروف والأصوات ، وكذلك يسمع كلام الله كلّ غائب ، لكن القدّوس لا مثل له ولا لكلامه. وإذا أراد الله تعالى أن يكرم أحدا من خلقه أسمه كلامه بغير واسطة ، كما فعل بموسى ومحمد ليلة الإسراء.
__________________
(١) في ل : ولا يستفاد الأمان من الإذن.