المسألة التاسعة ـ قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) دليل صحيح على ما كان الصدّيق رضى الله عنه تعلّق به على أهل الردة في قوله : لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة ؛ فإن الزكاة حقّ المال ؛ لأنّ الله تعالى علّق العصمة بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فتعلق بهما.
المسألة العاشرة ـ قوله : (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) :
وهو إشارة إلى ترك قتالهم وحصرهم ومنعهم عن التصرف ، وألّا يرصد لهم غيلة ، ولا يقطع على أحد فعل ذلك سبيله.
المسألة الحادية عشرة ـ قوله تعالى : (وَاحْصُرُوهُمْ) :
قال بعض علمائنا : امنعوهم عن التصرف إلى بلادكم والدخول إلا للقليل إليكم ، إلا أن تأذنوا لهم في ذلك ، فيدخلوا إليكم بأمان منكم ؛ فإن المحبوس تحت سلطان الإذن من الجانبين ، ولو لا ذلك لم يكن حبس ولا حصر ؛ فإن ذلك حقيقته.
الآية السادسة ـ قوله تعالى (١) : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) :
معناه سأل جوارك ، أى أمانك وذمامك (٢) فأعطه إياه ليسمع القرآن ؛ فإن قبل أمرا فحسن ، وإن أبى فردّه إلى مأمنه ؛ ولهذا قال مالك : إذا وجد الحربىّ في طريق بلاد المسلمين ، فقال : جئت أطلب الأمان ؛ فقال مالك : هذه أمور مشكله (٣) ، وأرى أن يرد إلى مأمنه ، والآية إنما هي فيمن يريد (٤) سماع القرآن والنظر في الإسلام ؛ فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين ، والنظر فيما يعود عليهم به منفعة ؛ وذلك يكون من أمير أو مأمور ؛ فأما الأمير فلا خلاف في أنّ إجارته جائزة ؛ لأنه مقدّم للنظر والمصلحة ، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضارّ.
__________________
(١) الآية السادسة.
(٢) الذمام : الحرمة ، والحق.
(٣) في القرطبي (٩ ـ ٧٦) : مشتبهة.
(٤) في ل : فيمن ترك.