حسبما تقدّم بيانه ، وبقي تحت اللفظ من كان محاربا أو مستعدّا للحرابة والإذابة ، وتبيّن أن المراد بالآية : اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم.
المسألة الخامسة ـ قوله : (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) :
هذا عام في كل موضع ؛ وقد قال أبو حنيفة : إنه يخصّ منها المسجد الحرام بقوله في البقرة (١) : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). وقرئ : ولا تقتلوهم. وقد تقدم القول فيها في سورة البقرة (٢). وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة نفر منهم ابن خطل (٣).
فإن قيل : قد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم. إنّ مكة حرّمها الله فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. وهذا نصّ.
قلنا : هذا خبر عن الله تعالى بأنه لا يملكها كافر أبدا ؛ لأنّ القتال (٤) إنما يكون للكفار ، فأما كافر يأوى إليها فلا تعصمه ولا قرة عين ، وليس في قوة الحديث ولا لفظه أنه لا يقتل فيها.
المسألة السادسة ـ قوله : (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) دليل على جواز الإسار فيهم ، وقد تقدم ذكر ذلك.
المسألة السابعة ـ قوله : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (٥) :
قال علماؤنا : في هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة ، وقد تقدم بيانه.
المسألة الثامنة ـ قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ...) الآية إلى : (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) ؛ إن الله غفور لما تقدم ، رحيم بخلقه في إمهالهم ثم المغفرة لهم. وهذا مبين بقول النبىّ صلى الله عليه وسلم (٦) : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقّها ، وحسابهم على الله. فانتظم القرآن والسنة واطّردا.
__________________
(١) سورة البقرة ، آية ١٩١.
(٢) صفحة ١٠٦ من القسم الأول.
(٣) هو عبد الله بن خطل تعلق بأستار الكعبة يوم الفتح فأمر النبي بقتله (القاموس).
(٤) في ل : القتل.
(٥) المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو ؛ أى اقعدوا لهم في كل مواضع الغرة حيث يرصدون (القرطبي : ٩ ـ ٧٣).
(٦) ابن ماجة : ١٢٩٥.