المسألة الرابعة ـ اختلف في قول علىّ في التأذين : هل كان بثلاث آيات أو تسع إلى قوله (١) : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ). أو إلى قوله (٢) : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).
وهذا إنما نشأ من روايات وردت ، منها قوله : ولا يحج بعد العام مشرك. وفيها ما روى أنه أمره أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
والذي يصحّ من ذلك أنّ تأذينه إنما كان إلى قوله (٣) : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) وغير ذلك من الآيات إنما ورد بعد ذلك في وقت واحد ، أو في أوقات متباينة بأحكام مختلفة ، منها ما قاله في تأذينه ، ومنها ما زاد عليه.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٤) : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
قال علماؤنا : هذا يدلّ على أنه كان من أهل العهد من خاس (٥) بعهده ، وكان منهم من ثبت عليه ؛ فأذن الله لنبيه في نقض عهد من خاس ، وأمر بالوفاء لمن بقي على عهده إلى مدته ، وذلك قوله (٦) : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
المعنى كيف يبقى لهم عهد عند الله وهم قد نقضوه ؛ والمراد بذلك قريش الذين عاهدهم النبىّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ؛ أمر أن يتمّ لهم عهدهم إلى مدتهم ، وكان قد بقي لهم منها أربعة أشهر من يوم النحر ؛ وهذا وهم ؛ فإنّ قريشا قد كان عهدها منقوضا منهم ومن المسلمين ، وقد كان الفتح ، وإنما كان المراد به من كان عاهد من العرب كخزاعة وبنى مدلج ، فلا بدّ من أن يوفى لهم بعهدهم فإنّ الله يحبّ المتقين.
الآية الخامسة قوله (٧) : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
__________________
(١) آية ٢٨.
(٢) آية ٢٩.
(٣) آية ٢٧.
(٤) الآية الرابعة.
(٥) خاس بالعهد : غدر ونكس ونقضه.
(٦) الآية السابعة.
(٧) آية ٥.