وجفّت أنهارها ، وتشعّب شجرها ، فنادى : يا خرب ، أين أهلك؟ فنودي : يا عيسى ، بادوا فضمّتهم الأرض ، وعادت أعمالهم قلائد في رقابهم إلى يوم القيامة ؛ عيسى بن مريم فجد.
قال علماؤنا : يريد مالك بسياحته أنه المسيح عيسى بن مريم.
المعنى : لكم في الأرض مسير أربعة أشهر ، واختبروا فيها ، وحرّروا أعمالكم ، وانظروا مآلكم ، فإن دخلتم في الإسلام فلكم الأمان والاحترام ، وإن استمررتم على الكفر عوملتم بمعاملة الكفار من القتل والإسار.
المسألة الثانية ـ قد روى جماعة أنّ علىّ بن أبى طالب كان يقول في أذانه : ومن كان بينه وبين النبىّ صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدّته ؛ فإن صحّ هذا فإنه يدل على أنّ العهد المحدود لمدة موقوف على أمده ، وأنّ العهد المطلق ، أو الذي له أقل من أربعة أشهر فإن مدته أربعة أشهر ، إلا من لم ينقض فإن عهده إلى مدته من غير خلاف بنصّ القرآن بعد هذا.
المسألة الثالثة ـ اختلف الناس في هذه الأشهر التي قدّرت للسياحة على أربعة أقوال:
الأول ـ أنها من شوال في سنة ثمان إلى صفر من سنة تسع ، قاله الزهري وغيره.
الثاني ـ أنها عشرون من ذي الحجة ، أوّلها يوم النحر إلى تمام أربعة أشهر. وذلك بمضى عشرة أيام من ربيع الأول سنة تسع ، وقيل هو الثالث من أول يوم من ذي القعدة. وقيل في الرابع من يوم يبلغهم العلم.
والصحيح أنه من يوم النّحر ، فبذلك كان البدء وإليه كان المنتهى.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (١) : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ الأذان : هو الإعلام لغة من غير خلاف ، المعنى براءة من الله ورسوله وأذان من الله ورسوله ، أى هذه براءة ، وهذا إعلام وإنذار : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢). (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٣).
__________________
(١) آية ٣.
(٢) سورة الإسراء ، آية ١٥.
(٣) سورة النساء ، آية ١٦٥