لنسبته إليهم ، كما نسب عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع المسلمين ، لكونهم به راضين.
ويحتمل أن يكون الضمير للجماعة ، وهو مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق التعظيم في الإخبار عن الواحد العظيم بلفظ الجمع.
المسألة الثالثة (١) ـ قوله تعالى : (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) :
وهذا نص في أنّ المعاهد كان مشركا ، ولم يكن أحد منهم من أهل الكتاب ، وإن كانوا أيضا مشركين ؛ لأنّ العهد كان مخصوصا بالعرب أهل الأوثان ، وكانوا على قسمين : منهم من كان أجل عهده أقل من أربعة أشهر. ومنهم من لم يكن له عهد ، فأمهل الكلّ أربعة أشهر.
وقيل : من لم يكن له عهد أجّل خمسين ليلة : عشرين من ذي الحجة والمحرم ، وذلك لقوله (٢) : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ). وسيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
قال القاضي (٣) رضى الله عنه : الذي عندي أنّ هذا عام في كل أحد ممن له عهد دون من لا عهد له ، لقوله (٤) : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). فمن كان له عهد أجّل أربعة أشهر ويحلّ دمه ، ومن لم يكن له عهد فهو على أصل الإحلال لدمه بالكفر الموجود به.
المسألة الرابعة ـ يحتمل أن تكون الأربعة الأشهر أيضا أجلا لمن كانت مدّته أكثر من أربعة أشهر. ويكون إسقاط الزيادة تخصيصا للمدّة ، كما أخرج الله النساء من أعداد من صولح عليه في الحديبية ، بحسب ما يظهر من المصلحة للإمام ، والتمادي على العهد ، أو الرجوع عنه ، حسبما بينّاه قبل.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٥) : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، أى سيروا ، وهي السياحة ، قال ابن وهب : قال مالك : بلغني أنّ عيسى بن مريم انتهى إلى قرية خربت حصونها ،
__________________
(١) في ا : الآية الثانية ، والمثبت من ل.
(٢) آية ٥ من التوبة.
(٣) هو المؤلف.
(٤) آية ٤.
(٥) آية ٢