وكذلك يروى عن ابن عجلان أنه بلغه أنّ سورة «براءة» كانت تعدل البقرة أو قربها ، نذهب منها ، فلذلك لم يكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم.
الثاني ـ أن براءة سخط ، وبسم الله الرحمن الرحيم رحمة ، فلا يجمع بينهما.
الثالث ـ أن براءة نزلت برفع الأمان ، وبسم الله الرحمن الرحيم أمان.
وهذه كلّها احتمالات ، منها بعيد ومنها قريب ؛ وأبعدها قول من قال : إنها مفتتحة بذكر الكفّار ؛ لأنّ سورا كثيرة من سور القرآن افتتحت بذكر الكفار كقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا). وقوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ).
الرابع ـ وهو الأصح ـ ما ثبت عن يزيد الفارسي أنه قال : قال لنا ابن عباس : قلنا لعثمان : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال ، فما حملكم على ذلك؟
قال عثمان : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحى يدعو ببعض من يكتب عنه ، فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآية فيقول : ضعوا هذا الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل ، وبراءة من آخر ما نزل من القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيّن لنا أنها منها ، فظننت أنها منها ؛ فمن ثمّ قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم.
وروى عن أبىّ بن كعب : آخر ما نزل براءة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في أول كلّ سورة ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولم يأمرنا في سورة براءة بشيء ؛ فلذلك ضمّت إلى الأنفال ، وكانت شبيهة بها.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أعطيت السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الزبور ، وأعطيت المثاني مكان الإنجيل ، وفضّلت بالمفصل.