فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : عرفت فالزم.
وفي الحديث الصحيح (١) : لا يدرك أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يعود في النار.
وقد تقدم قوله (٢) : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) إلى قوله : (كَرِيمٌ). وإذا كان الإيمان في القلب حقّا ظهر ذلك في استقامة الأعمال بامتثال الأمر واجتناب النهى ، وإذا كان مجازا قصّرت الجوارح في الأعمال ؛ إذ لم تبلغ قوته إليها.
الآية الخامسة والعشرون ـ قوله (٣) : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (مِنْ بَعْدُ) ، يعنى من بعد ما أمرتكم بالموالاة ، هكذا قال جماعة من المفسرين ، إلا أنه يحتمل أن يكون يريد من بعد الإيمان الأول والهجرة الأولى ؛ فإنّ الهجرة طبقات : المهاجرون الأولون ، وبعدهم من هاجر في بحبوحة الإيمان وقبل الفتح ، وهم طبقات عندنا ودرجات عند الله.
المسألة الثانية ـ قوله : (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) ، يعنى في الموالاة والميراث على اختلاف الأقوال ؛ فإنّ من تولّى قوما فهو منهم باعتقاده معهم ، والتزامه لهم ، وعمله بعملهم (٤) ، كما قال تعالى (٥) : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
المسألة الثالثة ـ قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) :
قال ابن عباس : هذه الآية نسخ لما تقدم من الموالاة بالهجرة دون القرابة التي ليس معها هجرة.
__________________
(١) البخاري ١ ـ ٦٠.
(٢) سورة الأنفال ، آية ٢ ـ ٤.
(٣) آية ٧٥
(٤) في ل : وعلمه بعلمهم.
(٥) سورة المائدة ، آية ٥١