قال مالك وجميع العلماء : فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حلّ بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدوّ ، وبأيديهم خزائن الأموال وفضول الأحوال والعدّة والعدد ؛ والقوة والجلد.
الآية الثالثة والعشرون ـ قوله تعالى (١) : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قطع الله الولاية بين الكفّار والمؤمنين فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض ، وجعل المنافقين بعضهم أولياء بعض ، يتناصرون بدينهم ، ويتعاملون باعتقادهم. وفي الصحيح (٢) : مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر.
ويحتمل أن يريد به بعضهم أولياء بعض في الميراث ؛ ففي الصحيح (٣) أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم.
وقد تقدم قوله (٤) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). وقال بعد هذا (٥) : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ).
المسألة الثانية ـ قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) : يعنى بضعف الإيمان وغلبة الكفر ؛ وهذه هي الفتنة والفساد في الأرض ، وفي هذا أمر بالخروج عن دار الكفر إلى دار الإيمان ، وهي الهجرة.
الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٦) : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحارثة : يا حارثة ، كيف أصبحت؟ قال : مؤمنا حقّا. قال : لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك؟ قال : عزفت نفسي عن الدنيا ؛ فاستوى عندي حجرها وذهبها ، وكأنى ناظر إلى عرش ربي.
__________________
(١) آية ٧٣.
(٢) صحيح مسلم : ١٩٩٩.
(٣) صحيح مسلم : ١٢٣٣
(٤) سورة المائدة ، آية ٥١.
(٥) سورة التوبة ، آية ٦٧.
(٦) آية ٧٤