وقال أبو حنيفة : لا كفارة عليه ، وهي الرواية الأخرى.
ولنا في إسقاط الكفارة عمدة ؛ فهو أن حرمة اليوم ساقطة عند الله ، فصادف الهتك محلّا لا حرمة له في علم الله فكان بمنزلة ما لو قصد وطء امرأة قد زفّت إليه ، وهو يعتقد أنها ليست بزوجه فإذا هي بزوجه.
وتعلّق من أوجب الكفارة بأن طروء الإباحة لا ينتصب عذرا في عقوبة التحريم عند الهتك ، كما لو وطئ امرأة ثم نكحها ، وهذا لا يلزم ؛ لأن علم الله تعالى مع علمنا قد استوى في هذه المسألة بالتحريم.
وفي المسألة التي اختلفنا فيها اختلف علمنا وعلم الله ، فكان المعوّل على علم الله في إسقاط العقوبة ، كما قال : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ ...) الآية.
المسألة الرابعة ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ حين نزلت هذه الآية : لو نزلت نار من السماء لأحرقتنا إلا عمر. وفي رواية : لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد ابن معاذ ، لقوله : يا نبىّ الله ؛ كان الإثخان في القتل أحبّ إلىّ من استبقاء الرجال. وفي رواية : لو عذّبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك. وفي رواية : لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة.
المسألة الخامسة ـ في هذا كلّه دليل على أن الإثخان في القتل واجب قبل كل شيء ، حتى إذا قوى المسلمون جاز الفداء ؛ للقوة على العدّة لقتالهم أيضا ، فإنما يراعى الأنظر والأوكد ، والله أعلم.
المسألة السادسة ـ فإن قيل : تحقق لنا معصيتهم.
قلنا : فيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ إسراعهم في الغنيمة قبل الإحلال.
الثاني ـ اختيارهم الفداء قبل الإثخان في القتل.
الثالث ـ قوله لهم (١) : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) ؛ فأمروا بالقتل فاختاروا الفداء.
__________________
(١) سورة الأنفال ، آية ١٢