قلنا : أما القول الثالث فضعيف ؛ لأنه يحتمل أن يكون نزل قبل أن يبرر. ويحتمل أن يكون نزل بعده ، ولا يحتجّ بمحتمل.
وأما القول الأول والثاني فمحتمل أن يكون أحدهما ، ويحتمل أن يكون مجموعهما ؛ والأظهر أنه اختيار الفداء ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم شاورهم فيه ؛ فمالوا إلى الفداء وكان الله قد عاتبهم على رأفتهم بالكفار مع إغلاظهم عليهم بالقتل والإداية والإخراج ، وإلى تحقيق المعصية إلى تأخيرهم القتل حتى نزل العفو.
فإن قيل ، وهي :
المسألة السابعة ـ فقد اختاره النبىّ صلى الله عليه وسلم معهم ، فهل يكون ذلك ذنبا منه؟
قلنا : كذلك توهّم بعض الناس ، فقال : إنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيه معصية غير معينة ، وحاشا لله من هذا القول ، إنما كان من النبي صلى الله عليه وسلم توقّف وانتظار ، ولم يكن القتل ليفوت ، مع أنهم كانوا قد قتلوا الصناديد ، وأثخنوا في الأرض ، فانتظر النبىّ صلى الله عليه وسلم : هل ذلك كاف فيه أم لا؟ وهذا بيّن عند الإنصاف.
الآية الحادية والعشرون ـ قوله (١) : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ لما أسر من أسارى (٢) المشركين روى أنه تكلّم قوم منهم بالإسلام ، ولم يمضوا بذلك عزيمة ، ولا اعترفوا به اعترافا جازما. ويشبه أنهم أرادوا أن يقربوا من المسلمين ، ولا يبعدوا من المشركين ، فنزلت الآية.
المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : إن تكلّم الكافر بالإيمان في قلبه وبلسانه ، ولم يمض به عزيمة لم يكن مؤمنا. وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا إلّا ما كان من الوسوسة التي لا يقدر المرء على دفعها ، فإنّ الله قد عفا عنها وأسقطها.
__________________
(١) آية ٧٠ ، ٧١.
(٢) في القرطبي (٨ ـ ٥٥) : لما أسر من أسر من المشركين.