وقد روى أبو هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : لم تحلّ الغنائم لقوم سود الرءوس ، من قبلكم كانت تنزل نار من السماء ، فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم ، فأنزل الله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ..) إلى آخر الآيتين : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً).
المسألة الثانية ـ اختلف الناس في كتاب الله السابق على ثلاثة أقوال :
الأول ـ سبق من الله ألا يعذب قوما حتى يتقدم إليهم.
الثاني ـ سبق منه ألّا يعذبهم ومحمد فيهم.
الثالث ـ سبق منه إحلال الغنائم لهم ، ولكنهم استعجلوا قبل الإحلال ، وهذا كله ممكن صحيح ، لكن أقواه ما سبق من إحلال الغنيمة ، وقد كانوا غنموا أول غنيمة في الإسلام حين أرسل النبىّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد إلى نخلة ما بين مكة والطائف فيرصد بها قريشا ، فمضى ومضى أصحابه معه ، حتى نزلوا بنخلة ، فمرّت عليهم عير لقريش تحمل زيتا (١) وأدما وتجارة من تجارة قريش ، فيها عمرو بن الحضرمىّ ؛ فقتل عمرو ، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسرى حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعزل عبد الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الغنيمة ، وقسّم سائرها بين أصحابه ؛ وذلك قبل أن يفرض الله لرسوله الخمس ، فأكلوا الغنيمة ، ونزل بعد ذلك فرض الغنيمة ، كما كان فعله عبد الله بن جحش من الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم والأربعة الأخماس للغانمين.
والذي ثبت من ذلك أكلهم الغنيمة التي غنموا ، وإحلال ما أخذلهم ، والنبىّ صلى الله عليه وسلم ساكت عن ذلك مجيز له ؛ فكان وحيا (٢) بسكوته وإمضائه.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) في إحلال الغنيمة لعذّبتم بما اقتحمتم فيها مما ليس لكم اقتحامه إلا بشرع ، فكان هذا دليلا على أنّ العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما مما هو في علم الله حلال إنه لا عقوبة عليه كالصائم إذا قال : هذا يوم نوبى فأفطر الآن. أو هذا يوم حيضى فأفطر ، ففعلا ذلك. وكأن النوب والحيض الموجبان للفطر ؛ ففي مشهور المذهب فيه الكفارة ، وبه قال الشافعى.
__________________
(١) في ا : زبيبا.
(٢) في ل : واجبا.