المسألة الرابعة ـ قال بعضهم : يدل قوله : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ـ على تكليف الجهاد لسائر الأنبياء.
قلنا : كان الجهاد واجبا على أنبياء (١) قبل محمد ، لكن لم يكن لهم أسرى ولا غنيمة.
ومعنى قوله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ما كان لك يا محمد أن يكون لك أسرى حتى يغلظ قتلك في الأرض ، وتثبت هيبتك في النفوس.
الآية الموفية عشرين ـ قوله (٢) : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
روى أبو هريرة وغيره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (٣) : غزا نبىّ من الأنبياء ، فقال لأصحابه : لا يتبعني رجل بنى دارا ولم يسكنها ، أو تزوّج امرأة ولم يبن بها ، أو له حاجة في الرجوع. قال : فلقى العدوّ عند غيبوبة الشمس ؛ فقال : اللهم إنها مأمورة ، وإنى مأمور فاحبسها حتى تقضى بيني وبينهم ، فحبسها الله عليه ، فجمعوا الغنائم فلم تأكلها النار.
قال : وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها نارا فأكلتها ، فقال لهم نبيهم : إنكم غللتم فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فبايعوه فلزقت يد رجل منهم بيده ؛ فقال له : إن أصحابك قد غلّوا فأتنى بهم فليبايعونى ، فلزقت يد رجلين [أو ثلاثة منهم بيده] (٤) ، فقال لهما : إنكما قد غللتما ، فقالا : أجل ، قد غللنا صورة رأس بقرة من ذهب ، فجاءا بها ، فطرحت في الغنائم ، فبعث الله عليها النار فأكلتها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمنا بها ، وتخفيفا خفف عنا لما علم من ضعفنا.
قال الإمام رضى الله عنه : قد بينا في غير موضع وجه هذه النعمة وفائدة ما فيها من حكمة ، وأنّ الله جعل رزق نبيه محمد وأمته من أفضل وجوه الكسب ، وهي جهة القهر (٥) والاستعلاء.
__________________
(١) في ل : على الأنبياء.
(٢) آية ٦٨.
(٣) صحيح مسلم : ١٣٦٦
(٤) في ا : يد رجلين ، وما بين القوسين من ل.
(٥) في ا : وهي جهة النعمة.