المسألة الثانية ـ روى عبيدة السلماني ، عن علىّ أنّ جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فخيّره بين أن يقرب الأسارى فيضرب أعناقهم ، أو يقبلوا منهم الفداء ، ويقتل (١) منكم في العام المقبل بعدتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا جبريل يخبركم أن تقدّموا الأسارى فتضربوا أعناقهم ، أو تقبلوا منهم الفداء ، ويستشهد منكم في العام المقبل بعدّتهم. فقالوا : يا رسول الله ؛ بل نأخذ الفداء فنقوى على عدونا ، ويقتل منا في العام المقبل بعدّتهم ، ففعلوا.
المسألة الثالثة ـ قال ابن وهب ، وابن القاسم ، عن مالك : كان ببدر أسارى مشركون ، فأنزل الله : ما كان لنبىّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، وكانوا يومئذ مشركين ، فادوا ورجعوا ، ولو كانوا مسلمين لأنابوا (٢) ولم يرجعوا ، وكان عدّة من قتل أربعة وأربعين رجلا ، ومثلهم أسرى (٣) ، وكان الشهداء قليلا.
وقال أبو عمرو بن العلاء : إنّ القتلى كانوا سبعين والأسرى كذلك. وكذلك قال ابن عباس ، وابن المسيب ، ويشهد له قوله (٤) : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها).
وأنشد أبو زيد الأنصارى لكعب بن مالك :
فأقام بالعطن المعطّن منهم |
|
سبعون عتبة منهم والأسود |
وإنما قال مالك : وكانوا مشركين ، ولو كانوا مسلمين لأقاموا ولم يرجعوا ؛ لأن المفسّرين رووا أنّ العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنى مسلم.
وفي رواية لهم : إن الأسرى قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنّا بك وبما جئت به ولننصحنّ لك على قومنا ، فنزلت (٥) : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ...) الآية ، قال العباس : افتديت بأربعين أوقية ، وقد آتاني الله أربعين عبدا ، وإنى لأرجو المغفرة.
وهذا كله ضعّفه مالك ، واحتجّ على إبطاله بما ذكر من رجوعهم إلى موضعهم ، وزيادة عليه أنهم غزوه يوم أحد.
__________________
(١) في ل : ويقبل.
(٢) في ل : لأقاموا.
(٣) في ل : أسروا.
(٤) سورة آل عمران ، آية ١٦٥.
(٥) سورة الأنفال ، آية ٧٠.