ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم اليوم عالة فلا يفلتنّ رجل منهم إلّا بفداء أو ضربة عنق.
فقال عبد الله : يا رسول الله ، إلا سهيل (١) بن بيضاء ، فإنى سمعته يذكر الإسلام. فسكت النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فما رأيتنى في يوم أخوف أن تقع علىّ الحجارة من السماء منّى في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا سهيل بن بيضاء.
رواه الترمذىّ مختصرا عن أقوال أبى بكر وعمر وابن رواحة ، ورواه مسلم عن عمر ابن الخطاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لما أسروا الأسرى ـ لأبى بكر وعمر ما ترون؟ قال أبو بكر : يا نبي الله ، هم بنو العمّ والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية ، فتكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا بن الخطاب؟ قلت : لا والله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكّننا فنضرب أعناقهم ، فتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكنني من فلان ـ نسيب لعمر ـ فأضرب عنقه ؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها.
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت.
فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان. قلت : يا رسول الله ؛ أخبرنى من أى شيء تبكى أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكى للذي عرض علىّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ـ شجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ـ إلى قوله : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) فأحلّ الله الغنيمة لهم ، وأنزل الله : ما كان النبىّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، تريدون عرض الدنيا ـ يعنى الفداء ، والله يريد الآخرة ـ يعنى إعزاز الدين وأهله ، وإذلال الكفر وأهله.
__________________
(١) في ل : سهل.