المسألة الثالثة ـ أما قول من قال إنها منسوخة بقوله (١) : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ـ فدعوى ، فإن شروط النسخ معدومة فيها ، كما بيناه في موضعه.
وأما من قال : إن دعوك إلى الصلح فأجبهم فإن ذلك يختلف الجواب فيه ؛ وقد قال الله (٢) : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
فإذا كان المسلمون على عزّة ، وفي قوة ومنعة ، ومقانب (٣) عديدة ، وعدّة شديدة(٤):
فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا |
|
وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم |
وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به ، أو ضرّ يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه ، وأن يجيبوا إذا دعوا إليه وقد صالح النبىّ صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شروط نقضوها ، فنقض صلحهم ، وقد وادع الضّمري (٥) ، وقد صالح أكيدر دومة ، وأهل نجران ، وقد هادن قريشا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده ، وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكة ، وبالوجوه التي شرحناها عاملة.
المسألة الرابعة ـ عقد الصلح ليس بلازم للمسلمين ، وإنما هو جائز باتفاقهم أجمعين ؛ إذ يجوز من غير خلاف للإمام أن يبعث إليهم ، فيقول : نبذت إليكم عهدكم ، فخذوا منى حذركم ، وهذا عندي إذا كانوا هم الذين طلبوه ؛ فإن طلبه المسلمون لمدة لم يجز تركه قبلها إلا باتفاق.
المسألة الخامسة ـ ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال يبذلونه للعدو ، والأصل في ذلك موادعة النبىّ صلى الله عليه وسلم لعيينة بن حصن وغيره يوم الأحزاب ، على أن يعطيه نصف تمر المدينة ، فقال له السّعدان (٦) : يا رسول الله ؛ إن كان هذا الأمر من قبل الله فامض له ، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمع وطاعة ، وإن كان هذا الرأى والمكيدة ، فأعلمنا به.
__________________
(١) سورة التوبة ، آية ٥.
(٢) سورة محمد ، آية ٣٥
(٣) في ل : وضغائن. والمقانب : جمع مقنب ، والمقنب من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين وقيل : هي دون المائة.
(٤) والقرطبي : ٨ ـ ٤٠.
(٥) كان هذا في غزوة الأبواء.
(٦) هما سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة.