وقد سمّانا الله في كتابه الصادقين حين قال (١) : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
وسمّاكم المفلحين ، فقال (٢) : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وأمركم الله أن تكونوا معنا حيث كنّا ، فقال (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
وقال لكم [النبي] (٤) : سترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.
وقال لنا في آخر خطبة خطبها : أوصيكم بالأنصار خيرا أن تقبلوا من محسنهم ، وتتجاوزوا عن مسيئهم ؛ ولو كان لكم في الأمر شيء ما رأيتم أثرة ولا وصى بكم.
فلما سمعوا ذلك من علمه ، ووعوه من قوله تذكّروا الحق ؛ فانقادوا له ، والتزموا حكمه ؛ فبادر عمر إلى أبى عبيدة ، وقال له : يا أبا عبيدة ؛ امدد يدك أبايعك. فقال أبو عبيدة : ما سمعت منك فهّة في الإسلام قبلها ، أتبايعني وأبو بكر فيكم؟ فقال له عمر : امدد يدك أبايعك يا أبا بكر. فمدّ أبو بكر يده وبايعه ، وبايعه الناس ، وصار الحقّ في نصابه ، ودخل الدين من بابه.
ولو هدوا لهذه الفرقة الأدبية التاريخية لما كانوا عن سبيل الحق جائرين وبحقيقته جاهلين ، ولكن الله ابتلاهم بقراءة كتب من الأدب والتاريخ قد تولّاها جهال وضلّال ، فقالوا : فعل علىّ. وقال علىّ ، ولا يقع علىّ من أبى بكر إلا نقطة من بحر ، أو لقطة في قفر ، لقد استقام الدين وعلىّ عنه في حجر ، وقد كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد رجاله ، وفارسا من فرسانه ، ووليا من أوليائه ، وقريبا من أقربائه ، فلما استأثر الله برسوله ، وانفرد بنفسه لم يقم بالأمر ولا قعد ، وذلك أمر قضاه الله بالحق ، وقدّره بالصدق ، وأنفذه بالحكمة والحكم ، وما وجد المسلمون أحدا ثبت على الدين ، وقرر ولاته في الأقطار ، وأنفذ الجيوش
__________________
(١) سورة الحشر ، آية ٨.
(٢) سورة الحشر ، آية ٩.
(٣) سورة التوبة ، آية ١١٩
(٤) من ل.