فقال [أبو بكر] (١) : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نورث ، ما تركناه صدقة.
فتذكّر ذلك جميع الصحابة ، وعلمه عمر وعثمان وعبد الرحمن وطلحة وسعد وسعيد ، وأقرّ به على والعباس.
المقام الرابع ـ لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ العرب ، وانقاض (٢) الإسلام ، وتزلزلت الأفئدة ، وماج الناس ؛ فارتاع الصحابة ؛ فقال عمر وغيره لأبى بكر : خذ منهم الصلاة ، ودع الزكاة حتى يتمكن الدين ، ويسكن جأش المسلمين. فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه (٣).
المقام الخامس ـ قالت الصحابة له : يا خليفة رسول الله ؛ أبق جيش أسامة ؛ فإن من حولك قد اختلف عليه ، فإن أرسلت الجيش إلى الشام لم تأمن على نفسك ولا على من معك بالمدينة. فقال : والله لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء أهل المدينة ما رددت جيشا أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا له : فمع من تقاتلهم؟ قال : وحدي حتى تنفرد سالفتي (٤).
المقام السادس ـ وهو ضنك الحال ومأزق الاختلال ؛ وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفى اضطرب الأمر ، وماج الناس ، ومرج (٥) قولهم ، وتشوّفوا إلى رأس يرجع إليه تدبيرهم ، واجتمعت الأنصار في سقيفة بنى ساعدة ، ولهم الهجرة ، وفيهم الدّوحة ، والمهاجرون عليهم نزل ، وانتدب الشيطان ليزيغ قلوب فريق [منهم] (٦) ، فسوّل للأنصار أن يعقدوا لرجل منهم الأمر ؛ فجاء المهاجرون. فاجتمعوا إلى أبى بكر ، وقالوا : نرسل إليهم. قال أبو بكر : لا ، ألا نأتيهم في موضعهم! فنوزع (٧) في ذلك ، فصرم وتقدم واتّبعته المهاجرون حتى جاء الأنصار في مكانهم ، وتقاولوا! فقالت الأنصار في كلامها : منا أمير ومنكم أمير ، فتصدّر أبو بكر بحقه ، وتكلم على مقتضى الدين ووفقه ، وقال : يا معشر الأنصار ؛ قد علمتم أنّا رهط رسول الله وعترته (٨) الأدنون ، وأصل العرب ، وقطب الناس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : الأئمة من قريش إلى أن تقوم الساعة.
__________________
(١) من ل.
(٢) انقاض : تصدع.
(٣) في ل : لجاهدتهم.
(٤) السالفة : ناحية مقدم العنق.
(٥) مرج قولهم : اختلط.
(٦) من ل.
(٧) في ل : فتورع.
(٨) عترة الرجل : رهطه الأدنون ، ويقال أقرباؤه.