ولا استأثر بها عليكم ، قد أعطاكموها ، وبثّها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي ، فيجعله مجعل مال الله.
فهذا حديث مالك بن أوس قال فيه : إنّ بنى النضير كانت لرسول الله ينفق منها على أهله نفقة سنتهم.
وفي حديث عائشة في الصحيح (١) : ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ؛ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علىّ وعباس. وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرها إلى من ولى الأمر بعده.
فقد ثبت أن خيبر وفدك وبنى النضير كانت لقوت رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وعياله سنة ، ولحقوقه ونوائبه التي تعروه ، لا خمس الخمس الذي ادّعاه أصحاب الشافعى. وهذا نصّ لا غبار عليه ولا كلام لأحد فيه.
المسألة السادسة ـ قال تعالى في هذه الآية : (لِذِي الْقُرْبى) ؛ فنظر قوم إلى أنها قربى قريش ، لقوله في هذه الآية الأخرى (٢) : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). قال صلى الله عليه وسلم : إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.
ولما نزلت (٣) : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ورهطك منهم المخلصين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا فعمّ وحصّ. وقال : يا بنى كعب بن لؤىّ ؛ أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بنى مرّة بن كعب ؛ أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بنى عبد شمس ؛ أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بنى هاشم ؛ أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بنى عبد المطلب ؛ أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطم ؛ أنقذى نفسك من النار ؛ فإنى لا أملك لك من الله شيئا.
فهذه قراباته التي دعا على العموم ، والخصوص حين دعى إلى أن يدعوهم ، لكن ثبت في الصحيح أن عثمان قال له : يا رسول الله ؛ أعطيت بنى هاشم وبنى المطلب وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؛ فقال : إنّ بنى عبد المطلب لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٣٨٢.
(٢) سورة الشورى ، آية ٢٣.
(٣) سورة الشعراء ، آية ٢١٤.