وأسقط حكم الجاهلية ، ومن أحسن من الله حكما أو أوسع منه علما.
المسألة الخامسة ـ ادّعى المقصرون (١) من أصحاب الشافعى أنّ خمس الخمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفه في كفاية أولاده ونسائه ، ويدّخر من ذلك قوت سنته ، ويصرف الباقي إلى الكراع والسلاح ؛ وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما ـ أنّ الدليل قد تقدم على أن الخمس كلّه لرسوله بقوله صلى الله عليه وسلم: ما لي مما أفاء الله عليكم إلّا الخمس ، والخمس مردود فيكم (٢).
الثاني ـ ما ثبت في الصحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال (٣) : قال : بينا أنا جالس عند عمر أتاه حاجبه برفأ ، فقال : هل لك في عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص يستأذنون؟ قال : نعم. فأذن لهم ، فدخلوا فسلّموا وجلسوا ، ثم جلس برفأ يسيرا ، ثم قال : هل لك في علىّ وعباس؟ قال : نعم ، فأذن لهما فدخلا فسلّما وجلسا ، فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، أقض بيني وبين هذا ، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بنى النّضير. فقال الرهط عثمان وأصحابه : يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما ، وأرح أحدهما من الآخر.
فقال عمر : يا تيد (٤) ، كم أنشد كم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أنّ رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة؟ يريد رسول الله نفسه.
قال الرهط : قد قال ذلك. فأقبل عمر على علىّ وعباس فقال : أنشد كما بالله تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا : نعم. قال عمر : فإنّى أحدثكم عن هذا الأمر : إن الله قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره ، قال (٥) : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ (٦) عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ... الآية.
فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما اختارها (٧) دونكم
__________________
(١) في ل : القاصرون.
(٢) في ل : عليكم.
(٣) صحيح مسلم : ١٣٧٧.
(٤) التيد : الرفق (اللسان : تيد). وفي ل : ما سركم. وفي صحيح مسلم : اتئد.
(٥) سورة الحشر : ٦.
(٦) أوجفته : أعديته ، وهو العنق في السير.
(٧) في ا : ما اجتازها.