[فإن قيل : فما أكلوه على غير وجه الذّكاة كالخنق وحطم الرأس؟
فالجواب : أنّ هذه ميتة ، وهي حرام بالنص ، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير فإنه حلال لهم ، ومن طعامهم ، وهو حرام علينا ، فهذه أمثلة والله أعلم] (١).
وأما ذبائح الكاتبيين فقد سئل أبو الدرداء عما يذبح لكنيسة اسمها سرجس ، فأمر بأكله ، ولذلك قال عبادة بن الصامت وقال الشافعى وعطاء : تؤكل ذبائحهم ، وإن ذكر غير الله عليها ، وهذا ناسخ لقوله تعالى (٢) : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).
وقد بينا في القسم الثاني أنه ليس بنسخ ، وسنشير إليه في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى.
المسألة السادسة ـ لما قال الله سبحانه : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) تضمّن أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل (٣) ، فهل يدخل عليهم من دان بدينهم ، وإن لم يكن منهم؟ ينبنى على أصل من أصول الفقه ـ وهو أنّ من لم يدعه النبي فاتبعه هل يكون له حكم من دعائه أم لا؟ وقد بينا في موضعه أنه إن لم يكن على شرع دخل في حكمهم ، أو كان على شرع درس عنه. إذا ثبت هذا فنصارى بنى تغلب من العرب مما اختلف فيه العلماء ، فروى عن ابن عباس أنه تؤكل ذبائحهم ، وألحقهم بالكتابيّين ، لقوله تعالى (٤) : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، وبه قال الشعبي والشافعى. وقرأ الشعبي (٥) : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا). وقاله ابن شهاب ، وقال : لأنهم يذكرون اسم الله سبحانه إشارة إلى ما قلناه من تعلقهم باللفظ. وبهذا قال جماعة كثيرة. وعن علمائنا روايتان : إحداهما ما تقدم. والثانية لا تؤكل ذبائحهم. وبه قال ابن عمر وعائشة وعلىّ. وقال : لأنهم لا يحللون ما تحلل النصارى ولا يحرّمون ما يحرّمون (٦). وهذا دليل أنه لم يلحقهم بهم ، لأنهم لم يتولّوهم ، ولا دانوا بدينهم ، ولو تعلقوا به لوافق ابن عباس في حالهم وحكمهم لما قدّمناه من الأدلة.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في ل.
(٢) سورة الأنعام ، آية ١٢١.
(٣) قال في أحكام الجصاص (٣ ـ ٣٢٢) : ومن الناس من يزعم أن أهل الكتاب هم بنو إسرائيل الذي ينتحلون اليهودية والنصرانية دون من سواهم من العرب والعجم الذين دانوا بدينهم ولم يفرقوا في ذلك بين من دان بذلك قبل نزول القرآن وبعده. وهو قول ساقط مردود.
(٤) سورة المائدة ، آية ٥١.
(٥) سورة مريم ، آية ٦٤.
(٦) في ل : ما تحرم.