ودليلهم عموم قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ). وقول النبي : الإسلام يهدم ما كان قبله. وهذا عامّ في الحقوق التي تتعلّق بالله كلها.
فإن قيل : المراد بذلك الكفر الأصلى ، بدليل أنّ حقوق الآدميين تلزم المرتدّ ؛ فوجب أن تلزمه حقوق الله.
فالجواب أنه لا يجوز اعتبار حقوق الأدميين بحقوق الله ، ولا حقوق الله بحقوق الآدميين في الإيجاب والإسقاط ؛ لأنّ حقّ الله يستغنى عنه ، وحقّ الآدمي يفتقر إليه ؛ ألا ترى أنّ حقوق الله لا تجب على الصبى ، وتلزمه حقوق الآدميين ، وفي ذلك تمهيد طويل بيناه في تخليص التلخيص فلينظر هنالك.
الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (١) : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).
يحتمل أن يريد به : وقاتلوهم حتى لا يكون كفر (٢). ويحتمل أن يكون : وقاتلوهم حتى لا يفتن أحد عن دينه. وكلاهما يجوز أن يكون مرادا ، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بنزول عيسى. وقد بينا ذلك في سورة البقرة ومسائل الخلاف.
وفي البخارىّ ، عن سعيد بن جبير ، قال : خرج علينا ابن عمر فرجونا أن يحدّثنا حديثا حسنا. قال : فبادرنا إليه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، حدثنا عن القتال في الفتنة ، والله يقول : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ). فقال : هل تدرى ما الفتنة؟ ثكلتك أمّك! إنما كان محمد يقاتل المشركين ، وكان الدخول في دينهم فتنة ، وليس بقتالكم على الملك.
الآية الثانية عشرة ـ قوله (٣) : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فيها ثلاث عشرة مسألة :
__________________
(١) الآية : ٣٩ ، ٤٠.
(٢) فسر الفتنة بالكفر.
(٣) الآية ٤١