هل له توبة؟ فجاء عالما (١) فسأله ، فقال : لا توبة لك ، فقتله وكمل به مائة. ثم جاء عالما آخر فسأله ، فقال : ومن يسدّ عليك باب التوبة؟ ائت الأرض المقدسة. فمشى إليها ، فحضره الأجل في الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ؛ فأوحى الله أن قيسوا إلى أىّ الأرضين هو أقرب : أرضه التي خرج منها أم الأرض المقدسة؟ فألفوه (٢) أقرب إلى الأرض المقدسة بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة.
وفي رواية : فقاسوه فوجدوه قد دنا بصدره. فانظروا إلى قول العالم له : لا توبة له. فلما علم أنه قد أيأسه قتله ؛ فعل اليائس من الرحمة ؛ والتنفير مفسدة للخليقة ، والتيسير مصلحة لهم.
وقد قدمنا عن ابن عباس أنه كان إذا جاء إليه رجل لم يقتل فسأله : هل للقاتل توبة؟ فيقول له : لا توبة له ؛ تخويفا وتحذيرا. فإذا جاء من قتل فسأله : هل لقاتل من توبة؟ قال له : لك توبة ؛ تيسيرا وتأليفا (٣).
المسألة الثالثة ـ قال ابن القاسم ، وأشهب ، وابن وهب ، عن مالك في هذه الآية : من طلّق في الشرك ثم أسلم فلا طلاق له ، وكذلك من حلف فأسلم فلا حنث عليه ، وكذلك من وجب عليه مثل هذه الأشياء ثم أسلم فذلك مغفور له.
فأما من افترى على مسلم ثم أسلم ، أو سرق ثم أسلم ، أقيم عليه الحدّ للفرية والسرقة ، ولو زنى وأسلم أو اغتصب مسلمة ثم أسلم لسقط عنه الحدّ.
وروى أشهب عن مالك : إنما يعنى عزّ وجل ما قد مضى قبل (٤) الإسلام من مال أو دم أو شيء ، وهذا هو الصواب ؛ لما قدمنا من عموم قوله (٥) : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) ، وقوله : الإسلام يهدم ما كان قبله. وما بيناه من المعنى في التيسير وعدم التنفير.
المسألة الرابعة ـ إذا أسلم المرتدّ ، وقد فاتته صلوات ، وأصاب جنايات ، وأتلف أموالا ـ فإن الشافعى قال : يلزمه كلّ حق لله وللآدمي.
وقال أبو حنيفة : ما كان لله يسقط ، وما كان للآدمي يلزمه ؛ وقال به علماؤنا.
__________________
(١) في القرطبي : عابدا (٧ ـ ٤٠١).
(٢) ألفوه : وجدوه.
(٣) والقرطبي : ٧ ـ ٤٠٢
(٤) في ا : ما قد مضى من الإسلام.
(٥) سورة الأنفال ، آية ٣٨