أما بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله بكذا؟ قال : فأقبل بوجهه ، فقال : إنّ أفضل ما بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أنى كنت على أطباق ثلاث (١) : لقد رأيتنى وما أحد أشد بغضا لرسول الله منى ، ولا أحبّ إلىّ أن يكون قد استمكنت منه فقتلته ، فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبىّ فقلت : ابسط يمينك لأبايعك (٢) ، فبسط يمينه. قال : فقبضت يدي. قال : مالك يا عمرو؟ قال : قلت : أردت أن أشترط. قال : تشترط ما ذا؟ قلت : أن يغفر لي. قال : أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما قبله ، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأنّ الحج يهدم ما قبله ، وما كان أحد أحبّ إلىّ من رسول الله ، ولا أجلّ في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له (٣) ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ؛ لأنى لم أكن أملأ عيني منه ، ولو متّ على ذلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالي فيها ؛ فإذا أنا متّ فلا تصحبنى نائحة ولا نار ؛ فإذا دفنتمونى فسنّوا (٤) علىّ التراب سنّا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم ، وأنظر ما ذا أراجع به رسل ربّى.
المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : هذه لطيفة من الله سبحانه منّ بها على الخليقة (٥) ؛ وذلك أنّ الكفار يقتحمون الكفر والجرائم ، ويرتكبون المعاصي ، ويرتكبون المآثم ، فلو كان ذلك يوجب مؤاخذتهم لما استدركوا أبدا توبة ، ولا نالتهم مغفرة ؛ فيسّر الله عليهم قبول التوبة عند الإنابة ، وبذل المغفرة بالإسلام ، وهدم جميع ما تقدم ؛ ليكون ذلك أقرب إلى دخولهم في الدين ، وأدعى إلى قبولهم كلمة الإسلام ، وتأليفا على الملة ، وترغيبا في الشريعة ؛ فإنهم لو علموا أنهم يؤاخذون لما أنابوا ولا أسلموا.
فقد روى مسلم أنّ رجلا كان فيمن كان قبلكم قتل تسعة وتسعين نفسا ، سأل :
__________________
(١) في ل : ثلاث نفر.
(٢) في ل : فلأبايعك.
(٣) في ا : إجلالا منه.
(٤) أى ضعوه وضعا سهلا.
(٥) في القرطبي : على الخلق.