وقال آخر : نرى أن ينفى ويخرج.
وقال آخر : نرى أن يأخذ من كلّ قبيلة رجل سيفا فيضربونه ضربة واحدة ، فلا يقدر بنو هاشم على مطالبة القبائل. وكان القائل هذا أبا جهل. فاتفقوا عليه ، وجاء جبريل النبىّ صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك ، وأذن له في الخروج ، فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم علىّ ابن أبى طالب بأن يضطجع على فراشه ، ويتسجّى ببرده الحضرمي. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم [عليهم] (١) حتى وضع التراب على رءوسهم ، ولم يعلموا به ، وأخذ مع أبى بكر إلى الغار ، فلما أصبحوا نظروا إلى علىّ في موضعه ، وقد فاتهم ، ووجدوا التراب على رءوسهم ، ولم يعلموا (٢) ، تحت خزي وذلة ، فامتنّ الله على رسوله بذلك من نعمته عليه وسلامته من مكرهم بما أظهر عليهم من نوم علىّ على السرير كأنه النبي ، ومن وضع التراب على رءوسهم ، وهذا كلّه مكر من فعله جزاء على مكرهم ، والله خير الماكرين.
المسألة الثانية ـ قام علىّ على فراش النبىّ صلى الله عليه وسلم فداء له ، وخرج أبو بكر مع النبي مؤنسا له.
وقد روى أنّ عليّا قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم : إنه لن يخلص إليك.
وهذا تأمين يقين ، ويجب على الخلق أجمعين أن يقوا بأنفسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يهلكوا أجمعين في نجاته ؛ فلن يؤمن أحد حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحبّ إليه من نفسه وأهله والخلق أجمعين. ومن وقى مسلما بنفسه فليس له جزاء إلا الجنة. وذلك جائز.
والدليل عليه وجوب مدافعة المطالب والصائل على أخيك المسلم.
الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٣) : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ ثبت عن ابن شماسة المهري قال : حضرنا عمرو بن العاص ، وهو في سياقة الموت ، فبكى طويلا ، وحول وجهه إلى الجدار ، فجعل ابنه يقول : ما يبكيك يا أبتاه؟
__________________
(١) من ل.
(٢) في ل : وضع التراب على رءوسهم فانصرفوا تحت ...
(٣) الآية ٣٨