المحل السادس ـ القلب ، وهو البحر الخضمّ ، وفي القلب الفوائد الدينية ، والآفات المهلكة ، والتقوى ، فيه حجاب يسلخ الآفات عنه ، وشحنه بالنية الخالصة ؛ وشرحه بالتوحيد ، وخلع الكبر والعجب بمعرفته بأوله وآخره ، والتبرّى من الحسد ، والتحفظ من شوائب الشرك الظاهر والخفى ، بمراعاة غير الله في الأعمال ، والركون إلى الدنيا بالغفلة عن المال. فإذا انتهى العبد إلى هذا المقام مهّد له في قبوله مكانا ، ورزقه فيما يريده من الخير إمكانا ، وجعل له بين الحق والباطل والطاعة والمعصية فرقانا ، وهي :
المسألة الثانية ـ في قسم العمل في هذه الآية ، والإشارة إليه أن يمتثل ما أمر ، ويجتنب كيف استطاع ما عنه نهى ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم. إذا أمرتكم (١) بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهبتكم (٢) عن شيء فاجتنبوه.
وقد قال ابن وهب : سألت مالكا عن قوله : (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) ـ قال : مخرجا.
ثم قرأ (٣) : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ...) إلى (٤) : (فَهُوَ حَسْبُهُ).
وقال ابن القاسم : سألت مالكا عن قوله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) قال: يعنى مخرجا.
وقال أشهب : سألت مالكا عنها فذكر معنى ما تقدم.
وقال ابن إسحاق : يجعل لكم فصلا بين الحق والباطل.
وهذه كلها أبواب العمل في القلوب والأبدان.
الآية التاسعة ، قوله تعالى (٥) : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قد بينا أنها مكّية. وسبب نزولها ، والمراد بها ما روى أنّ قريشا اجتمعت في دار النّدوة ، وقالت : إن أمر محمد قد طال علينا ، فماذا ترون؟ فأخذوا في كل جانب من القول ، فقال قائل : نرى أن يقيّد ويحبس.
__________________
(١) في ل : إذا أمرتم.
(٢) في ل : وإذا نهيتم.
(٣) سورة الطلاق ، آية ٢ ، ٣
(٣) الآية الثلاثون من السورة.