تاء لغة ؛ وذلك بأن يجعل بينه وبين مخالفة الله ومعصيته وقاية وحجابا ، ولها فيه محالّ :
المحل الأول ـ العين ، فإنها رائد القلب وربيئته ، فما تطّلع عليه أرسلته إليه ، فهو يفصل منه الجائز مما لا يجوز ، وإذا جللتها بحجاب التقوى لم ترسل إلى القلب إلا ما يجوز ، فيستريح من شغب ذلك الإلقاء ؛ وربما أصابت هذا المعنى الشعراء كقولهم :
وأنت إذا أرسلت طرفك رائدا |
|
لقلبك يوما أسلمتك المناظر |
رأيت الذي لا كلّه أنت قادر |
|
عليه ولا عن بعضه أنت صابر |
وهذا وإن كان أخذ طرفا من المعنى فإن شيخنا عطاء المقدسي شيخ الفقهاء والصوفية ببيت المقدس استوفى المعنى في بيتين أنشدناهما :
إذا لمت عينىّ اللتين أضرّتا |
|
بجسمى وقلبي قالتا : لم القلبا |
فإن لمت قلبي قال عيناك جرّتا |
|
علىّ الرزايا ثم لي تجعل الذنبا |
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (١) : إن الله كتب على ابن آدم حظّه من الزنا. أدرك ذلك لا محالة ؛ فالعينان تزنيان وزناهما النظر ، واليدان تزنيان وزناهما البطش.
المحل الثاني ـ الأذن ، وهو رائد عظيم في قبيل الأصوات يلقى إلى القلب منها ما يغبيه (٢) ، وقد كانت البواطل فيه أكثر من الحقائق ، فعلى العبد أن يمتنع من الخوض في الباطل أولا ، وينزّه نفسه عن مجالسة أهله ؛ وإذا سمع القول اتّبع أحسنه ، ووعى أسلمه ، وصان عن غيره أذنه ، أو قذفه عن قلبه إن وصل إليه.
المحل الثالث ـ اللسان ، وفيه نيّف على عشرين آمة وخصلة واحدة ، وهي الصدق ، وبها ينتفى عنه جميع الخصال الذميمة ، وعن بدنه جميع الأفعال القبيحة ، فإذا حجبه بالصدق فقد كملت له التقوى ، ونال المرتبة القصوى.
المحل الرابع ـ اليد وهي للبطش والتناول ، وفيها معاص منها : الغصب ، والسرقة ، ومحاولة الزنا ، والإذابة للحيوان والناس ، وحجابها الكفّ إلا عمّا أراد الله.
المحل الخامس ـ الرّجل ، وهي للمشي إلى ما يحل ، وإلى ما يجب ، وحجابها الكفّ عما لا يجوز.
__________________
(١) صحيح مسلم : ٢٠٤٦.
(٢) في ل : ما يغمه. والتغبية : الستر.