ولذلك قرأها قوم : واتّقوا فتنة أن تصيب الذين ظلموا منكم خاصة. وقرأها آخرون : واتّقوا فتنة لتصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة. وهكذا يروى فيها عن أبىّ بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وكان يقول ابن مسعود إذا قرأها : ما منكم من أحد إلّا وله فتنة في أهله وماله.
وكان الزّبير يقول : كنا نظنّها لغيرنا فإذا بها قد أصابتنا. وكذلك كان يرى ابن عباس.
وأما فتنة الرجل في أهله فلا تتعداه ، ولا تأخذ بالعقوبة سواه ، وإنما المعنى في الآية ما ذكرناه.
فأما اعتراضهم بالإعراب وهي :
المسألة الرابعة ـ فقد أوضحناها في الرسالة الملجئة ، وقلنا : فيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنه أمر ثم نهى ، كلّ واحد مستقل بنفسه ، كما تقول : قم غدا. لا تتكلم اليوم.
الثاني ـ الإعراب اتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم.
فأما الأول فضعيف ؛ لأن قوله : (اتَّقُوا فِتْنَةً) ليس بكلام مستقل ، فيصحّ أن يتركب عليه غيره.
وأما الثاني ، وهو جواب الطبري ، فلا يشبه منزلته في العلم ، لأن مجازه : لا تصيب الذين ظلموا ، ولم يرد كذلك.
الثالث ـ قال لنا شيخنا أبو عبد الله النحوي : هذا نهى فيه معنى جواب الأمر ، كما يقال : لا تزل (١) من الدابة لا تطرحنك ، وقد جاء مثله في القرآن (٢) : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ). وهذا منتهى الاختصار وقد طوّلناه في مكانه.
الآية الثامنة (٣) ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قوله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) :
وقد تقدم القول في التقوى وحقيقتها وأنها فعلى ، من وقى يقي وقاية وواقية ، أبدلت الواو
__________________
(١) في ل : لا تنزل.
(٢) سورة النمل : ١٨.
(٣) الآية : ٢٩