مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمّهم الله بعذاب من عنده.
وثبت أن أمّ سلمة قالت للنبىّ صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم ، إذا كثر الخبث.
وقال عمر : إن الله لا يعذّب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا عمل (١) المنكر جهارا استحلّوا (٢) العقوبة كلّهم.
وتحقيق القول في ذلك أنّ الله قال (٣) : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ). وقال (٤) : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ؛ فقد أخبرنا ربنا أنّ كلّ نفس بما كسبت رهينة ، وأنه لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد ، وإنما تتعلق كلّ عقوبة بصاحب الذنب ، بيد أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيّره ، فإذا سكت عنه فكلّهم عاص ؛ هذا بفعله ، وهذا برضاه به. وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل ؛ فانتظم الذنب بالعقوبة ، ولم يتعدّ موضعه ، وهذا نفيس لمن تأمّله.
فإن قيل ، وهي :
المسألة الثالثة ـ فما معنى هذه الآية؟
قلنا : هي آية بديعة ، ومعناها على الناس مرتبك ، وقد بيناها في قبس الموطأ ، وفي ملجئة المتفقهين.
لبابه أنّ قوله : (اتَّقُوا) أمر. وقوله : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) نهى ، ولا يصلح أن يكون النهى جواب الأمر ، فيبقى الأمر بغير جواب ، فيشكل الخطاب.
والدليل على أنّ قوله : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) نهى ـ دخول (٥) النون الثقيلة فيه ، وهي لا تدخل إلا على فعل النهى ، أو جواب القسم.
ولا تظنوا أنّ إشكال هذه الآية حدث بين المتأخرين ؛ بل هو أمر سالف عند المتقدمين ،
__________________
(١) في ل : عملوا.
(٢) في ل : استحقوا.
(٣) سورة البقرة : ٢٨٦.
(٤) سورة الإسراء : ١٥.
(٥) كلمة «دخول» خبر أن.