ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ قال يا رسول الله ، كنت أصلّى. قال له : أفلم تجد فيما أوحى إلىّ : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ)؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولا أعود.
فقال الشافعى : هذا دليل على أن الفعل للفرض أو القول الفرض إذا أتى به في الصلاة لا يبطل الصلاة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبىّ بالإجابة ، وإن كان في الصلاة.
وقد بيّنا في غير موضع أنّ هذه الآية دليل على وجوب إجابة النبي وتقديمها على الصلاة ، وهل تبقى الصلاة معها أم تبطل؟ مسألة أخرى. وقد قررناه على وجهه في مسائل الخلاف.
الآية السابعة ـ قوله تعالى (١) : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في تأويل الفتنة :
فيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ الفتنة : المناكير ؛ نهى الناس أن يقرّوها بين أظهرهم فيعمّهم العذاب ؛ قاله ابن عباس.
الثاني ـ أنها فتنة الأموال والأولاد ، كما قال (٢) : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ رواه عبد الله بن مسعود. وقد روى حذيفة في الحديث الصحيح حين سأله عمر عن الفتنة ، فقال له حذيفة : فتنة الرجل في جاره وماله وأهله يكفّرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
الثالث ـ أنها البلاء الذي يبتلى به المرء ؛ قاله الحسن.
المسألة الثانية ـ المختار عندنا أنها فتنة المناكير بالسكوت عليها أو التراضي بها ، وكلّ ذلك مهلك ، وهو كان داء الأمم السالفة ، قال الله سبحانه (٣) : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ).
وقد قدمنا من تفسير قوله (٤) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ
__________________
(١) الآية ٢٥.
(٢) سورة الأنفال ، آية ٢٨.
(٣) سورة المائدة ، آية ٧٩
(٤) سورة المائدة : ١٠٥ ؛ وقد تقدم صفحة ٧٠٨