وقد ورد في الحديث أنّ الميت إذا انصرف عنه أهله ، وإنه ليسمع خفق نعالهم ، إذ أتاه ملكان ... الحديث.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في أهل بدر : أتكلّم قوما قد جيّفوا(١)؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، غير أنه لم يؤذن لهم في الجواب.
المسألة الخامسة ـ قال مالك : بلغني أنّ جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف أهل بدر فيكم؟ قال : خيارنا. فقال جبريل : إنهم كذلك فينا.
وفي هذا من الفقه أن شرف المخلوقات ليس بالذوات ، وإنما هو بالأفعال ؛ وللملائكة أفعالها الشريفة من المواظبة على التسبيح الدائم ، ولنا ـ نحن ـ أفعالنا بالإخلاص في الطاعة. وتتفاضل الطاعات بتفضيل الشرع لها ، وأفضلها الجهاد ، وأفضل الجهاد يوم بدر ؛ فأنجز الله لرسوله وعده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، وصرع صناديد المشركين ، وانتقم منهم للمؤمنين ، وشفى صدر رسوله وصدورهم من غيظهم ، وفي ذلك يقول حسان(٢) :
عرفت ديار زينب بالكثيب |
|
كخطّ الوحى في الورق القشيب (٣) |
تداولها (٤) الرّيح وكلّ جون |
|
من الوسمىّ منهمر (٥) سكوب |
فأمسى ربعها (٦) خلقا وأمست |
|
يبابا بعد ساكنها الحبيب |
فدع عنك التذكّر كلّ يوم |
|
وروّ حرارة الصدر (٧) الكئيب |
وخبّر بالذي لا عيب (٨) فيه |
|
بصدق غير أحبار الكذوب |
بما صنع المليك غداة بدر |
|
لنا في المشركين من النصيب |
غداة كأنّ جمعهم حراء |
|
بدت أركانه جنح الغروب |
فلاقيناهم (٩) منّا بجمع |
|
كأسد الغاب مردان وشيب |
أمام محمد قد وازروه (١٠) |
|
على الأعداء في لفح الحروب |
__________________
(١) جيفوا : أنتنوا.
(٢) ديوانه : ١٤ ، والقرطبي : ٧ ـ ٣٧٥.
(٣) الوحى : الكتابة.
والقشيب : الجديد.
(٤) في الديوان : تعاورها
(٥) في الديوان : منهمّ. وفسرها شارح الديوان : بأنه سائل وسكوب : دائم الهطلان.
(٦) في الديوان : رسمها.
(٧) في الديوان والقرطبي : ورد حزازة الصدر الكئيب.
(٨) في ا : لا غيب فيه.
(٩) في الديوان : فوافيناهم.
(١٠) في الديوان : آزوره.