المسألة الثانية ـ روى عكرمة عن ابن عباس قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ـ حين فرغ من بدر : عليك بالعير (١) ليس دونها شيء. فناداه العباس وهو في الأسرى : لا يصلح هذا. فقال [له] (٢) النبىّ صلى الله عليه وسلم : لم؟ قال : لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك. قال النبي صلى الله عليه وسلم : صدقت. وعلم ذلك العباس من تحدّث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما كان من شأن بدر ، فسمع ذلك في أثناء الحديث.
المسألة الثالثة ـ خروج النبىّ صلى الله عليه وسلم ليتلقّى العير بالأموال دليل على جواز النّفر للغنيمة ؛ لأنه كسب حلال ، وما جاء في الحديث : إن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله دون من يقاتل للغنيمة ـ يراد به إذا كان ذلك قصده وحده ، ليس للدين فيه حظّ.
المسألة الرابعة ـ قال ابن القاسم وابن وهب ـ عن مالك في قول الله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ، فقال مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قليب (٣) بدر من المشركين : قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا : يا رسول الله ؛ إنهم أموات ، أفيسمعون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم ليسمعون ما أقول قال قتادة : أحياهم الله له. وهذه مسألة بديعة بيناها في كتاب المشكلين ، وحقّقنا أن الموت ليس بعدم محض ، ولا فناء صرف ، وإنما هو تبدّل حال ، وانتقال من دار إلى دار ، والروح إن كان جسما فينفصل بذاته عن الجسد ، وإن كان عرضا فلا بد من جزء من الجسد يقوم به يفارق الجسد معه ، ولعله عجب (٤) الذّنب الذي ورد في الحديث الصحيح : إن كل ابن آدم تأكل الأرض إلّا عجب الذّنب ، منه خلق ، وفيه يركّب. والروح هي السامعة الواعية العالمة القابلة ، إلا أن الباري لا يخلق الإدراك إلا كما يشاء ، فلا يخلق إدراك الآخرة لأهل الدنيا ، ولا يخلق إدراك الدنيا لأهل الآخرة ، فإذا أراد سبحانه أسمع أهل الآخرة حال أهل الدنيا.
__________________
(١) في ا : عليك العير.
(٢) من القرطبي.
(٣) القليب : البئر التي لم تطو (النهاية)
(٤) عجب الذنب : أصله.