(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ). وهي الآية السادسة والعشرون.
فقوله : (فِي نَفْسِكَ) يعنى صلاة الجهر. وقوله : (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) يعنى صلاة السرّ ؛ فإنه يسمع فيه نفسه ومن يليه قليلا بحركة اللسان.
فإن قيل : فقد قال بعض الشافعية : إنما خرجت الآية على سبب ؛ وهو أنّ قوما كانوا يكثرون اللّغط في قراءة رسول الله ، ويمنعون من استماع الأحداث لهم ، كما قال تعالى(١) : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ، فأمر المسلمين بالإنصات حالة أداء الوحى ، ليكون على خلاف حال الكفار.
قلنا : عنه جوابان :
أحدهما ـ أن هذا لم يصح سنده ؛ فلا ينفع معتمده.
الثاني ـ أنّ سبب الآية والحديث إذا كان خاصا لا يمنع من التعلّق بظاهره إذا كان عاما مستقلا بنفسه ، وبالجملة فليس للبخاري ولا للشافعية كلام ينفع بعد ما رجّحنا به واحتججنا بمنصوصه ، وقد مهّدنا القول في مسائل الخلاف تمهيدا يسكّن كل جأش نافر.
الآية السابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ).
فيها أربع عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ هذه الآية مرتبطة بما قبلها ومنتظمة مع ما سبقها ؛ وهي إخبار من الله تعالى عن الملائكة بأنهم في عبادتهم التي أمروا بها دائمون ، وعليها قائمون ، وبها عاملون ؛ فلا تكن من الغافلين فيما أمرت به وكلفته.
وهذا خطابه ، والمراد بذلك جميع الأمة.
المسألة الثانية ـ هذه أول سجود القرآن ، وفيه خمس عشرة سجدة :
الأولى هذه ، خاتمة الأعراف.
الثانية في الرعد (٣) : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).
__________________
(١) سورة فصلت ، آية ٢٦.
(٢) الآية السادسة بعد المائتين.
(٣) الآية ١٥