وقد قال أبو هريرة : نزلت الآية في الصلاة. وقيل : كانوا يتكلمون في الصلاة ، فنزلت الآية في النهى عن ذلك.
وروى أنّ فتى كان يقرأ خلف النبىّ صلى الله عليه وسلم فيما قرأ فيه النبي ، فأنزل الله الآية فيه.
وقال مجاهد : نزلت في خطبة الجمعة ؛ وهو قول ضعيف ؛ لأنّ القرآن فيها قليل ، والإنصات واجب في جميعها.
وقد روى أنّ عبادة بن الصامت قرأ بها ، وسئل عن ذلك ، فقال : لا صلاة إلا بها.
وأصحّ منه قول جابر : لا يقرأ بها خلف الإمام ـ خرّجه مالك في الموطأ.
وروى مسلم في صحيحه أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : إنما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا قرأ فأنصتوا ؛ وهذا نصّ لا مطعن فيه ، يعضده القرآن والسنة ، وقد غمزه الدارقطني بما لا يقدح فيه.
المسألة الثالثة ـ الأحاديث في ذلك كثيرة قد أشرنا إلى بعضها ، وذكرنا نبذا منها ، والترجيح أولى ما اتبع فيها.
والذي نرجّحه وجوب القراءة في الإسرار لعموم الأخبار.
وأما الجهر فلا سبيل إلى القراءة فيه لثلاثة أوجه : أحدها ـ أنه عمل أهل المدينة.
الثاني ـ أنه حكم القرآن ، قال الله سبحانه : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا).
وقد عضدته السنة بحديثين :
أحدهما ـ حديث عمران بن حصين : قد علمت أنّ بعضكم خالجنيها.
الثاني ـ قوله : وإذا قرأ فأنصتوا.
الوجه الثالث ـ في الترجيح : إنّ القراءة مع جهر الإمام لا سبيل إليها فمتى يقرأ؟
فإن قيل : قرأ في سكتة الإمام.
قلنا : السكوت لا يلزم الإمام فكيف يركّب فرض على ما ليس بفرض ، لا سيما وقد وجدنا وجها للقراءة مع الجهر ، وهي قراءة القلب بالتدبر والتفكر ، وهذا نظام القرآن والحديث ، وحفظ العبادة ، ومراعاة السنة ، وعمل بالترجيح والله أعلم ؛ وهو المراد بقوله تعالى (١) :
__________________
(١) الآية الخامسة بعد المائتين من هذه السورة.