المسألة العاشرة ـ قال علماؤنا : هذه الآية من ثلاث كلمات ، قد تضمنت قواعد الشريعة المأمورات والمنهيّات ، حتى لم يبق فيه حسنة إلا أوضحتها ، ولا فضيلة إلا شرحتها ، ولا أكرومة إلّا افتتحتها ، وأخذت الكلمات الثلاث أقسام الإسلام الثلاثة ؛ فقوله : (خُذِ الْعَفْوَ) تولى بالبيان جانب اللين ، ونفى الحرج في الأخذ والإعطاء والتكليف.
وقوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) تناول جميع (١) المأمورات والمنهيات ؛ وإنهما ما عرف حكمه ، واستقرّ في الشريعة موضعه ، واتّفقت القلوب على علمه.
وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) تناول جانب الصّفح بالصبر الذي به يتأتّى للعبد كلّ مراد في نفسه وغيره ، ولو شرحنا ذلك على التفصيل لكان أسفارا.
الآية الخامسة والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٣) :
روى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ، فقرأ أناس من خلفه ، فنزلت هذه الآية : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ...) الآية ؛ فسكت الناس خلفه ، وقرأ رسول الله.
المسألة الثانية ـ روى الأئمة : مالك ، وأبو داود ، والنسائي ، عن أبى هريرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال : هل قرأ أحد منكم [معى] (٤) آنفا؟ فقال رجل : نعم ، يا رسول الله. فقال : إنى أقول : مالي أنازع القرآن؟ قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله من الصلوات بالقراءة ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى مسلم عن عمران بن حصين ، قال (٥) : صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا صلاة الظّهر أو العصر ، فقال : وأيكم قرأ خلفي بسبّح اسم ربك الأعلى؟ فقال رجل : أنا فقال رسول الله : قد علمت أنّ بعضكم حالجنيها (٦).
__________________
(١) في ل : جانب.
(٢) الآية الرابعة بعد المائتين.
(٣) أسباب النزول : ١٣١
(٤) من ل.
(٥) صحيح مسلم : ٢٩٨.
(٦) حالجنيها : نازعنيها.